المسيرة الاحتجاجية يوم أمس على ما تقوم به قوات الاحتلال في العراق من حماقات بالقرب من المشاهد المقدسة في النجف وكربلاء بدأت سلمية وانتهت بغير ذلك وسط أقوال لشهود عيان بأن قوات الأمن هاجمت المتظاهرين الذين كانوا يضبطون خط سيرهم وكانوا يتحاورون مع رجال الأمن بشأن وضع المسيرة. وبينما كان المسئول يبدي تجاوبا مع المتظاهرين ويطلب لقاء علماء الدين الكبار الذين شاركوا في المسيرة، باشر بعض رجال الأمن إطلاق غاز مسيل الدموع والرصاص المطاطي، ولم يكن واضحا السبب المباشر وراء ذلك.
ومنذ ظهر أمس كان محافظ العاصمة يسعى إلى التنسيق مع مسئولي المسيرة للمساعدة في إخراجها بصورة سلمية وتوفير الغطاء المطلوب من الناحية الرسمية. غير أن المناوشات أثناء المسيرة عكرت الأجواء على الجميع. فقد كدنا أن ننهي الأسبوع الماضي بأخبار مفرحة بعد اجتماع جلالة الملك يوم الأربعاء الماضي مع الجمعيات السياسية التسع والإفراج عن موقوفي العريضة، ولكن جاء يوم أمس ليعكر صفو الأجواء.
إن ما حدث خلال الأسابيع الماضية يدل على أننا بحاجة إلى الاتفاق على سبل ممارسة العمل السياسي، وهذا ما تمت مناقشته خلال الاجتماعات. فالجميع كان يطالب بتوضيح الخطوط الحمراء، وذكر منها: عدم المساس بالدين، وعدم التعرض للذات الملكية، وعدم تخريب المشروعات الاقتصادية والممتلكات تحت أية ذريعة كانت، وعدم تعطيل المصالح الحيوية والشوارع الرئيسية، وعدم القبول بالتوقيف على أساس سياسي أو بسبب التعبير السلمي عن الرأي، وعدم تجريم العمل السياسي السلمي الذي تتبناه جمعيات أهلية. لكن هذه الخطوط الحمراء بحاجة الى اتفاق والى تفصيل أكثر يشمل موضوعات حساسة.
وقد طرحت بعض الشخصيات قضايا لكي يتم الاتفاق عليها لأنها تثير الخلافات وتعكر صفو العمل السلمي، من بينها ما يطلق عليه البعض «تحشيد وتجييش الشارع في كل مناسبة» و«رفع الشعارات والصور والأعلام التي تعطي إيحاءات معينة» و«ضمان حرية العمل السياسي» و«الحق في التحرك السياسي المسئول في الداخل والخارج»، و«إزالة العقبات القانونية التي تحدّ من الحريات العامة»، و«ضرورة أخذ رخصة قبل تسيير مظاهرات»... إلخ. كل هذه الموضوعات مهمة، والجمعيات السياسية هي المعنية بصورة أولية بها وعليها أن تناقشها وتتوافق عليها، وتنقذنا من المطبات التي مازلنا نقع فيها.
مظاهرة يوم أمس كان بالإمكان أن تنتهي على خير ولكنها انتهت بغير ذلك والتفسيرات ستتعدد، لأننا مازلنا لم نتوافق على أساليب العمل السياسي. فالطرف الرسمي سيقول إن أية مظاهرة يجب أن ترخص لها وزارة الداخلية ويجب أن تلتزم بضوابط معينة لضمان عدم تعطيل المناطق الحيوية، والمتظاهرون سيطرحون رأيا آخر يقولون فيه إن نشاطهم كان سلميّا وإنهم حصلوا على الترخيص. بين هذا و ذاك تضيع الجهود ونتألم بسبب ازدياد الجروح، وجروحنا جميعا هي جروح الوطن. فمهما اختلفت الآراء فإننا بإمكاننا الوصول إلى حلول ترضينا وتحفظ حقوقنا جميعا.
غير أن يوم أمس ربما يدفعنا إلى العمل الجاد لإصلاح الأمور. وقرار الملك الحاسم الذي صدر البارحة وقضى بتعيين اللواء الركن الشيخ راشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة وزيرا للداخلية، وتأكيد جلالته حق المواطنين في التعبير عن الغضب والاحتجاج على ما يقع من ظلم لإخواننا في الدين والعروبة، واشارته إلى ضرورة التحقيق فيما حدث، اضافة الى الاتصال الهاتفي المباشر بين الملك والشيخ عيسى قاسم مساء أمس، كل ذلك جاء ليؤكد حرص الملك على سلامة المشروع الإصلاحي، وليعيد تأكيد مقولته إن البحرين لن ترجع إلى الوراء. إننا مطالبون بأن نتعامل مع ما حدث أمس ونربطه بكل حوادث ثلاث السنوات الماضية، ثم نراجع مواقفنا، فلعلنا نهتدي إلى كثير مما يجمعنا ونضيِّق ما يفرق بين مختلف الأطراف، وفي ذلك خير للجميع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 624 - الجمعة 21 مايو 2004م الموافق 01 ربيع الثاني 1425هـ