ذلك هو الشعار الخطير جدا، والسيئ جدا، الذي يرفعه البعض من أبناء هذا البلد وبناته دون إعلان، وتلك هي الظاهرة الغريبة التي بدأت تطفو على السطح بشكل واضح ومخيف. إنه شعار وظاهرة «اصدم»... «اهرب»... «اكذب».
منذ فترة ونحن نقرأ ونسمع عن حوادث تسبب فيها مراهقون ومراهقات وغيرهم، ذهب ضحيتها العشرات على اختلاف الأعمار، بين قتيل وجريح ومُقعد، وقلنا عندها «إنا لله وإنا إليه راجعون» و«جلَّ من لا يخطئ» و«المسامح كريم».
ولكن أن يتعدى ذلك إلى أن يصدم أحدهم - أو إحداهن - سيارة أو بشرا، ثم يلوذ - أو تلوذ - بالفرار، غير مكترث - أو غير مكترثة - بنتائج هذا الحادث من ويلات، فهذا ما لا يمكن السكوت عنه بأي حال، لأنه يعبر عن مستوى لا أخلاقي، وسلوك وحشي همجي ينم عن التخلف بكل ما يعنيه، لأنه استهانة بإنسانية الإنسان، وهذه والله قمة الاستهتار والتلاعب بأرواح الآدميين وممتلكاتهم.
أما قمة القمم في هذا الاستهتار فهي أن يصدم الولد - أو تصدم البنت - ويهرب - أو تهرب - فاذا وقع - أو وقعت - في «الفخ»، وخضع - أو خضعت - للاستجواب والتحقيق، كان الكذب هو مفتاح الخلاص، كما يتوهم الولد - أو تتوهم البنت - فيدَّعي - أو تدَّعي - كذبا وزورا أنه - أو أنها - الضحية لهذا الحادث، لأن السيارة الأخرى هي التي صدمت، وهي سبب الحادث، حتى لو كانت متوقفة ومن دون سائق، اعتقادا من الولد - واعتقادا من البنت - أن الكذب هو المنجي من العقوبة والمخلِّص من المسئولية بالكامل، وهنا مثال من الواقع:
إحدى العائلات، تركت سيارتها مغطاة عند باب سكنها منذ ليلة الخميس حتى ليلة السبت، مطمئنة إلى أن السيارة في أمن وأمان، كما كانت في سالف الليالي والأيام، إلا أن الذي حدث «عكَّر» على العائلة مزاجها، ذلك أن إحدى الفتيات «المحترمة جدا» صدمت السيارة من الأمام - ليلة السبت - ما أدى إلى كسر المصباح الأيمن الأمامي، وهربت مسرعة، على رغم أن أحد الجيران سجل رقم سيارتها وناداها للتوقف، ولكنها لم تكترث، بل واصلت سيرها بكل «وقاحة»، وبصورة تدل على التهور وانعدام الضمير، ما دعا العائلة إلى طلب رجل المرور لتقييم الحادث وتحديد المسئولية.
أما في صباح اليوم التالي، عندما استُدعيت الفتاة إلى إدارة المرور للتحقيق، فقد «أنكرت» أختنا «الشجاعة» أية علاقة لها بالحادث وأصرت على أنها «المسكينة» «مصدومة» و«الصادمة» السيارة الأخرى المتوقفة، وهكذا، وبقدرة قادر تحول الجاني إلى مجني عليه، والمجني عليه إلى جان، غير أن العدالة أخذت مجراها، ووضعت النقاط فوق الحروف، واتضح بعد التدقيق، وبصورة لا تقبل الشك أن الفتاة هي المسئولة عن الحادث على رغم «إنكارها» المتواصل.
وهكذا أُسدل الستار على حادث بسيط كان يمكن أن يسجل ضد مجهول، لولا «ابن الجيران» الذي التقط رقم السيارة، جزاه الله خيرا.
ولكن... يبقى السؤال المهم قائما: أليس من يصدم سيارة اليوم ويهرب، على استعداد لأن يصدم غدا إنسانا بريئا ويهرب، تخلصا من تحمل المسئولية القانونية وغيرها؟
طبيعي أن يحدث هذا، ما دامت العقوبة لا ترقى إلى مستوى الجناية، وما دام البعض قد تجرد من الضمير وتخلى عن المشاعر الإنسانية، وصار شعاره الدائم ومبدؤه الشرير الجبان «اصدم»... «اهرب»... «اكذب»
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 623 - الخميس 20 مايو 2004م الموافق 30 ربيع الاول 1425هـ