مؤتمر الحوار الإعلامي العربي الألماني الذي عقد في أبوظبي في 16 و17 مايو/ أيار نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ومعهد العلاقات الخارجية التابع لوزارة الخارجية الألمانية، كان فرصة لالتقاء عدد من كبار الإعلاميين والخبراء من ألمانيا والدول العربية. يشعر المرء بالاعتزاز لما حققته وسائل الإعلام العربية، لاسيما الفضائيات الكبرى مثل «الجزيرة» و«العربية» و«أبوظبي»، بحيث أصبحت تنافس وسائل الإعلام القادمة من أميركا وأوروبا. وكان من المشاركين الإعلامي المعروف جميل عازر الذي نشاهده يقدم الاخبار على قناة «الجزيرة»، وهو الذي طرح مداخلته بعنوان: «محلية الإعلام المعولم»، ووصف من خلالها طبيعة الإعلام العربي الذي استطاع ان ينهض أخيرا من خلال الفضائيات.
عازر قال في مداخلته ان «العولمة» لم تعد ذات بعد واحد كما كان يتوقع البعض، بل انها متنوعة وذات أبعاد متعددة، مؤكدا ان الثقافة العربية لم تمحَ في أجواء العولمة، لأن الثقافة تعبر عن هوية، والسنوات الماضية شهدت نقلة نوعية في الإعلام العربي «المعولم» لم يستوعبها الغرب لحد الآن.
لقد أشار الإعلاميون الألمان والعرب إلى أن الإعلام العربي نقل السجال مع واشنطن من «الدبلوماسية» إلى «الإعلام» بحيث اضطرت أميركا إلى ان تنشئ قناة «الحرة» في محاولة للرد على الفضائيات العربية. والعرب اكتشفوا ان لديهم قوة في «الكلمة» التي يطرحونها، كما كانت لديهم قوة «النفط» في الماضي. قوة النفط تم احتواؤها بعد الذي حدث في العام 1973 وأصبحت أسواق النفط يحددها المشتري والمستهلك (بقيادة أميركا) وليس المنتج (بقيادة العرب). انتقل الصراع الآن إلى محاولة احتواء «الكلمة» بعد ان تم احتواء «النفط».
الألمان أشاروا إلى أن العرب نجحوا في وسائل الإعلام الموجهة إلى البلاد العربية، ولكنهم لم ينجحوا بعد في ايصال صوتهم إلى الأوروبيين والأميركيين الذين لايزالون غارقين في الإعلام الذي يحمل في طياته توجهات معادية للعرب والمسلمين بصورة عامة.
وهذا ما أشارت إليه إحدى الصحافيات المصريات التي قالت إنها كانت في نيويورك في اليوم الذي اغتيل فيه الشيخ أحمد ياسين، وأسرعت حينها إلى شاشة التلفزيون لمشاهدة الأخبار. ولكن المفاجأة كانت ان الخبر الأول تحدث عن حال زواج لاثنين من اللواطيين، والخبر الثاني عن قضية لاحدى سيدات الأعمال، والثالث عن هبوط البورصة، والرابع عن طفل خرج من منزله ولم يعد، والخامس والسادس ومن ثم جاء الخبر السابع ليقول «الفلسطينيون يتوعدون الإسرائيليين بضربة موجعة بعد عملية للقوات الإسرائيلية وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بأنها ضربة دقيقة ونظيفة»!
مدير محطة «أبوظبي» الفضائية علي الأحمد قال ان هناك نوعين من الإعلام، نوع يهدف إلى الدعاية لخطة استراتيجية، ونوع يهدف إلى ايصال المعلومة ومناقشتها، وان الإعلام العربي حقق نجاحاته الأخيرة عندما ركز على الجانب المعلوماتي المهني.
غير اننا بحاجة إلى مزيد من المهنية والاستقلالية التي تمكننا من «هزّ» السياسيين الأميركان والأوروبيين كما هزت محطة «سي بي اس» الإدارة الأميركية عندما نشرت صور التعذيب في «أبوغريب». ونأمل أن نرى اليوم الذي تستطيع فيه الفضائيات والصحف العربية ممارسة دورها الرقابي الكامل، وان تكون «محلية» و«معلومة»، تؤثر في الشأنين المحلي والعالمي. حينها لن تستطيع الولايات المتحدة احتواء كلمتنا كما احتوت نفطنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 622 - الأربعاء 19 مايو 2004م الموافق 29 ربيع الاول 1425هـ