العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ

دوامة الأزمة «الدبوية» (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كي يكون في وسعنا قياس مدى قدرة إصدار السندات هذا، من دون التقليل من أهميته بل وضرورته، على إنتشال دبي من أزمتها المالية الحادة التي تمر بها، لابد من إلقاء شيء من الأضواء على بعض الجوانب المفصلية في «الاقتصاد الدبوي»، التي ساهمت بشكل أو بآخر في إيصال دبي إلى ما وصلت إليه قبل سواها من دول الخليج الأخرى.

أول تلك الجوانب، هو إستقلاله النسبي عن سائر الإمارات التي تتشكل منها الدولة، فإذا استثنينا وزارات مثل الدفاع والداخلية والخارجية، تمسكت دبي بحقها في التصرف بحرية نسبية في قضايا استرتيجية أخرى، ومن أهمها الاقتصاد والتجارة. يؤكد ذلك الكثير من الممارسات الدبوية، سواء على مستوى تأسيس الشركات التي تملكها دبي بشكل مباشر وصريح، مثل «دبي القابضة» أو «نخيل» أو تلك التي يحتفظ أمراء دبي بحصة الأسد فيها، والمنافسة لشركات حكومية تسيرها قوانين سلطات الاتحاد المركزية، من نمط شركة «دو» (DU) «المنافسة لشركة «إتصالات». هامش الاستقلال النسبي، بقدر ما أعطى دبي حرية حركة واسعة ذات مرونة مالية وقانونية عالية، بقدر ما وضعها، في حالات كثيرة، في مواقع تنافسية مباشرة وحادة مع الإمارة الأكثر غنى، والتي تمول الكثير من مشروعات الدولة المركزية، والتي هي أبوظبي. ولعل في شركتي طيران «الإمارات» و»الاتحاد» المثال الصارخ الذي يدلل على ذلك.

ثاني تلك الجوانب أن الاقتصاد الدبوي يعاني من أزمة اقتصادية، وليس مالية فحسب، مركبة، ساهم فيها، وإلى حد بعيد السياسة الجريئة - المغامرية بعض الشيء، التي اتبعت دبي خلال الثلاثين سنة الماضية. فحسب التقديرات المعلن عنها تصل مديونية دبي إلى ما يزيد عن سبعين مليار دولار، مقارنة مع قيمة الإصدارات التي لاتزيد على عشرين مليار دولار، هذه المديونية تترافق مع شحة في السيولة المزوجة بتوقف الكثير من المشروعات الاستراتيجية بالنسبة إلى الاقتصاد الدبوي مثل مشروعات «نخيل» و»إعمار» اللتان اضطرتا تقليصا لحجم الخسائر التي عانيتا منهما إلى التخلص من نحو 1500 موظف، يأتي ذلك في مرحلة خسرت فيها شركات حكومة دبي مثل إعمار بعض مشروعاتها في الخارج. فالجميع قد سمع عن إعلان شركة «جون لانغ هومز» المملوكة بالكامل لشركة «إعمار» إفلاسها عبر تقدمها بطلب للحكومة الأميركية لحمايتها من الدائنين لمحكمة في مدينة ديلاوير الأميركية، بعد تراجع حاد في مبيعات الوحدات العقارية.

ثالث تلك الجوانب، الدوامة التي يتخبط فيها الاقتصاد الدبوي. لقد أشرنا سابقا إلى أن الدوافع الأساسية وراء لجوء الدولة إلى إصدار السندات الحكومية، هو: أما لتسديد عجز شديد في موازناتها ليس في حوزتها الأموال الكافية لتسديده، أو لامتصاص سيولة في السوق، لتحاشي تضخم محتمل أو لاستخدام الأموال المجمعة من بيع السندات في مشروعات ذات طابع استراتيجي طويل المدى، ليس في قدرة القطاع الخاص تحمل دورة رأس مال الطويلة. حالة دبي مناقضة لكل تلك الأسباب. فالدولة القارضة، ستبيع أسهمها لشركات تعود ملكيتها لها بالكامل، ومن ثم فليس هناك ضخ سيولة نقدية في خزانة الدولة من هذه القناة. أي أن هذا البائع هو المشتري في آن. أما من ناحية السيولة، فهي غير متوافرة ويعاني منها القطاع الخاص قبل العام في دبي. والأكثرمن ذلك، ليست هناك مشروعات استراتيجية تزمع دبي تدشينها، كما أن الحومة لم تعد اتمتلك بين يديها المبررات الكافية لإقناع القطاع الخاص، وهو الآخر يعاني من أزمة مالية حدة من جراء الخسائر التي منيت به استثماراته في الخارج، وخصوصا، في الأسواق لأميركية، لانتشال الدولة من أزمتها. فهو، في حال موافقته على المساهمة في جل الأزمة، ستكون مساهمته صغيرة للغاية.

ما تسرب من أخبار يؤكد أن دبي، على امتداد ما يزيد من عام، ومنذ أن ألمت بها الأزمة، حاولت عدم اللجوء إلى أبوظبي، خشية منها أن تكون الفاتورة المالية والسياسية المطلوب تسدسها لقاء العون باهضة وملفة في آن، ولذلك رأيناها، حتى قبل أسبوع من الإعلان عن الدعم الظبياني، تلجأ دمج مجموعة من الشركات المملوكة لها، ووضعها تحت مظلة واحدة، كما جرى مع «مجموعة دبي» و»دبي انترناشيونال كابيتال» اللتين أعلنتا عن تحالفهما تحت «مجموعة دبي القابضة للاستثمار» الشركة القائمة المملوكة بالكامل والتابعة لـ «دبي القابضة» والتي تمتلك حصة الشركة الأم في الشركتين التابعتين. وفي خطوة أخرى مماثلة أعلنت «دبي القابضة» في بيان منفصل عن «دمج العمليات المساندة لشركاتها العقارية، مجموعة دبي للعقارات، وسما دبي، ومزن، تحت مظلة واحدة، وإسناد هذه العمليات إلى جهة تنفيذية واحدة».

وفي الوقت ذاته، ومن أجل خفض نفقاتها، قامت شركة «دبي العالمية» بتخفيض في عدد الموظفين في أقسام الخدمات المؤسسية التابعة لها بنسبة 10 في المئة. وكانت شركة نخيل قد سبقتها إلى مثل هذه الخطوة عندما قامت بـ صرف 15 في المئة من موظفي الشركة وهو ما يقارب 500 موظف.

ويبدو أن تخفيض عدد الموظفين بات سياسة عامنة في الشركات المملوكة من قبل حكومة دبي، فقد جاءت إخطوة «نخيل» هذه، في أعقاب بعدما كشف الشركة العملاقة الأخرى «إعمار» عن عزمها إعادة النظر في استراتيجيتها للتوظيف، مشيرة إلى «أنها ستتبع سياسة تتلاءم مع ظروف السوق».

هذه الحالة الدبوية تضع التجربة الدبوية أمام أول محك عملي مباشر، لقياس مدى صلابتها وقدرتها على الخروج من الأزمات، التي ليست هي الوحيدة التي تواجهها. فهل تنجح دبي في تجاوز هذه الأزمة من خلال إصدارها سندات ساهمت أبوظبي بتسديد نصفها الأول، من دون أن يكون ذلك على حساب ما حققته خلال الثلاثين سنة الماضية؟ لعله من المبكر اليوم الخروج بإجابة قاطعة على مثل هذا التساؤل الصعب

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً