العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ

في ذكرى الميثاق الوطني... يوم كانت الآمال كبارا

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في الذكرى الثامنة للتصويت على ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير/ شباط 2001 من الضروري استحضار الآمال الكبيرة التي أطلقها ميثاق العمل الوطني، وتفحص الأوضاع والأجواء التي خلفها، ومراجعة حصيلة ثمان سنوات من الميثاق، وإلى أين تتجه بنا الأحداث.

سأقتصر في هذه المقالة على تعاطي القيادات والكوادر الوطنية المعارضة في الخارج مع عملية صياغة الميثاق، وتعاطي المعارضة ككل مع العملية، ثم عملية الاستفتاء على الميثاق وموقفها منه.

لاشك أنه منذ وصول جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم في 6 مارس/ آذار 1999، فقد كان ذلك إيذانا بتدشين عهد جديد، وتحولات تدريجية بطيئة لكنها محسوسة. وقد أسهمت تلك التحولات في إرخاء قبضة أمن الدولة على المعارضة في الداخل، ولذا فقد نشطت آنذاكعملية التشاور والاتصالات السرية والعلنية بين قيادات الداخل وقيادات الخارج. واتخذ ذلك عدة أشكال بما في ذلك إرسال المندوبين والوفود من الداخل لإطلاع قيادات الخارج على تطورات الأوضاع، والأحداث المتسارعة، وبالمقابل فقد نشطت الاتصالات والمشاورات فيما بين أطراف المعارضة في مختلف مواقع منافيها ولاسيما ما بين التيارين الوطني الديمقراطي في دمشق (حيث كانت قيادات الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني - البحرين وتجمعهما لجنة التنسيق)، وحركة أحرار البحرين في لندن التي كانت آنذاك تتحدث باسم الشارع المتحرك. وفي ذات الوقت فقد كانت هناك مشاورات واتصالات ما بين لجنة التنسيق والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين التي كانت قيادات لها تتواجد في حي السيدة زينب قرب دمشق. ولاشك أن ميثاق العمل الوطني شكل أهم قضية كان يجري التباحث والتشاور بشأنها سواء مع الداخل أو بين أطراف الخارج.

لقد تعاطت لجنة التنسيق للجبهتين الشعبية والتحرير بإيجابية كبيرة مع عملية صياغة ميثاق العمل الوطني. والمعروف أن شخصيات وطنية قد كانت من بين أعضاء لجنة صياغة الميثاق ومنهم الراحل الكبير جاسم فخرو وحسن رضي والمحامي عبدالله الشملاوي وعزيز أبل، والنقابي عبدالغفار عبدالحسين وعلي الأيوبي الذين زنسحبوا من لجنة إعداد الميثاق بسبب احتجاجات الشارع والمعارضة على ماجاء في المسودة الأولى للميثاق. لقد لعبت الشخصيات الوطنية وتفاعلها مع الشارع والمعارضة دورا مهما في قواعد مناقشة مسودة الميثاق، وتعديلها وإقرارها، وحتى بعد أن ضاقت بهم السبل ووجدوا أنهم محاصرون من قبل الأغلبية، وانسحبوا من لجنة صياغة الميثاق، فقد ظل لآرائهم صدى في مجرى عملية صياغة الميثاق ومحتوياته وذلك من خلال أطروحاتهم في الندوات التي رافقت صياغة الميثاق وخصوصا ندوة نادي الخريجين في 14 يناير / 2001.

من ناحية قيادة الجبهتين الشعبية والتحرير فقد تسلمت المسودة الأولى للميثاق في الاسبوع الأخير من أكتوبر / تشرين الأول 2000 وناقشتها بجدية وطرحت تعديلات عليها وأرسلتها للعناصر الوطنية المحسوبة على المعارضة في لجنة الصياغة، وظل الطرفان يتبادلان الصياغات والتعديلات، بل إن لجنة التنسيق قامت بترجمة المسودة الأولى إلى اللغة الإنجليزية وبعثت بها إلى شخصيات سياسية مناصرة لقضية البحرين، كما عرضت المسودة على شخصيات سياسية عربية صديقة للاستئناس برأيها في هذه الوثيقة والعملية برمتها. وكان من الواضح أن عملية الميثاق في البحرين هي تكرار لتجربة الميثاق الوطني في الأردن والتي أناط الملك حسين بن طلال رئاسة لجنة صياغته بأحمد عبيدات (رئيس الوزراء الأردني سابقا) وذلك لتحقيق ذات الهدف وهو العبور بالأردن من مرحلة أحكام الطوارئ، إلى مرحلة الانفتاح السياسي في 1988، وتجاوز الأزمة. كما كان واضحا أن ميثاق العمل الوطني كان حاجة موضوعية لتجديد شرعية النظام، وكان أيضا حاجة موضوعية للمعارضة والشعب عموما لتأكيد مشروعية النضال.

إن من يراجع تصريحات قادة المعارضة الوطنية والإسلامية خلال الأشهر الممتدة من اكتوبر 2000 الى فبراير 2001، أي فترة مخاض الميثاق، يرصد ترحيبا حذرا من قبل تلك القيادات بعملية الميثاق، وما جاء فيه، وما يعد به من غد مختلف تماما عن الواقع المأساوي الذي عاشته البلاد وطوال ربع قرن من قانون أمن الدولة.

ومع تواتر الإجراءات التصالحية للنظام بإصدار العفو العام، وإطلاق سراح المئات من المعتقلين السياسيين، وعودة المئات من المنفيين السياسيين وعائلاتهم ومع أجواء الانفراج بكافة أبعادها في الداخل، واتصالات لأول مرة بين سفارات البحرين وقيادات المعارضة في الخارج، فقد تراجعت التخوفات وإن لم تنتهِ وتزايد الحماس للميثاق، وخصوصا بعدما قرر إجراء استفتاء شعبي عليه في 14 فبراير 2001، بدلا من مبايعة الأمير في تجمع نخبوي من 1000 شخص كما اقتُرح في بداية الأمر.

أذكر هنا أن لندن حيث تتواجد قيادات حركة أحرار البحرين، وحيث أبرز موقع إعلامي للمعارضة آنذاك، شهدت في الأسبوع الأخير من نوفمبر/ تشرين الثاني 2000 اجتماعا ضم ممثلين للجنة التنسق للجهتين الشعبية والتحرير وقيادات من كل من حركة أحرار البحرين والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين والعلماء الثلاثة المنفيين (الشيخ علي سلمان، الشيخ حمزة الديري، والسيد حيدر الستري) حيث جرى نقاش محتدم حول الميثاق. وقد ظهرت خلافات بين وفد لجنة التنسيق وقيادات التنظيمين الإسلاميين. فقد كان وفد لجنة التسيق مؤيدا بشكل عام للميثاق رغم بعض التخوفات بينما كانت تخوفات التنظيمين الإسلاميين شديدة. لكن المجتمعين وبعد يوم طويل من النقاش أصدرا بيانا مشتركا وضعا فيه اشتراطات عديدة قبل تأييدهم للميثاق والاستفتاء عليه.

هذه التخوفات تشمل ضرورة النص على سيادة دستور 1973 واقتصار السلطة التشريعية على المجلس الوطني المنتخب، وأن أي تعديل للدستور يجب أن يتم من خلال المجلس الوطني، إضافة إلى المطالبة بتحمل الدولة لمسئوليتها فيما لحق بالشعب طوال حقبة أمن الدولة، وتعويض الضحايا. وبالنسبة للنقاط الثلاث الأولى فهي بالضبط تلك التي أصرت عليها المعارضة الوطنية والإسلامية وطلبت من النظام تأكيدها قبل دعوة أنصارها وعموم أبناء الشعب بالتصويت بنعم للميثاق يوم 14 و15 فبراير 2001. وفي الداخل تجاوبت الشخصصيات الوطنية والإسلامية وتلك التي خرجت توا من السجن، مثل الناشط السياسي عبدالوهاب حسين والناشط السياسي حسن مشيمع وغيرهما ممن جابوا المناطق وتحدثوا في الجماهير وحثوهم على التصويت بـ «نعم» للميثاق.

وقد أوصلت قيادات المعارضة في الخارج رسالة إيجابية إلى الحكم والشعب وهي لاتزال في المنافي من خلال مقابلات تلفزيون البحرين آنذاك من قبل الإعلامي غازي عبدالمحسن، ومعد البرامج راشد الجودر.

ورغم أن غالبية قيادات المعارضة في المنافي لم تشارك في عملية الاستفتاء حيث رجع معظمهم بعد الاستفتاء على الميثاق، إلا أنه لا ينكر دورهم في حث أنصارهم وعموم الشعب بالتصويتلصالح اللميثاق.

يجادل الكثيرون أن المعارضة استدرجت من قبل النظام لإعطائه تفويضا شعبيا وقانونيا ليتحكم بالعملية السياسية برمتها ويمتلك زمام المبادرة التي أفلتت. لكن المعارضة وهي تدعم الميثاق باعتباره وثيقة الإصلاح والتحول الديمقراطي المنشود إنما كانت تنطلق من روح الميثاق والأجواء التي سادت حينها بسد الفجوة العميقة بين الحكم والمعارضة، والمراهنة على مرحلة وطنية جديدة يسودها التكاتف والتلاحم بين الحكم من ناحية والمعارضة والشعب من ناحية أخرى. لقد كانت المعارضة على قدر كبير من المسئولية، فتعالت على جراحاتها وتجاوزت تجربتها السلبية مع النظام على امتداد ربع قرن، وتصرفت تصرفا مسئولا. وإذا كان هناك تراجع عن الميثاق وروح الوفاق الوطني، فإن ذلك ليس نهاية المطاف، وليس من فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، بل استخلاص الدروس والعبر

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً