العدد 622 - الأربعاء 19 مايو 2004م الموافق 29 ربيع الاول 1425هـ

الفنان فرحان: لا بيت يأوي الفنانين الشباب

تبدو الأفكار التي تشغل بال الفنانين البحرينيين الشباب أكثر حدة ومرارة ممن سبقهم، إذ بعد تلك المساهمات الفنية الكبيرة التي أعطاها جيل الرواد ومن جاء بعدهم، وعلى رغم العطاء الذي يدفعه الفنانون الشباب ثمنا باهظا من وقتهم وجهدهم، فإن لسان حالهم أنهم لم تتحقق لهم حتى اليوم تلك الغرفة الكبيرة التي تضمهم وتحنوا عليهم وتساعدهم... والفنان الشاب خالد فرحان ربما يكون أكثر الفنانين إحساسا بهذا الغبن، فهو الفنان الذي تخطى كل تلك العقبات فاختار الولوج الى منطقة تشهد انحسارا يوما بعد يوم وهي منطقة النحت ونحت القطع الكبيرة تحديدا، ونحن هنا نحاول المسير معه منذ دراسته الجامعية التي تفتحت فيها مواهبه الى تحقيقه شيئا من حلمه الكبير حين حقق رائعته النحتية الأسطورة، مؤملين النظر يوما الى التمثال الذي يود به تحقيق حلمه الكبير، مستمعين أيضا الى جملة من الأوجاع التي تشغله وتشغل بال الفنانين الشباب. نفرد هنا اللقاء...

لنبدأ أولا من الهم الذي يشغلك ويشغل بال الفنانين الشباب...

- غياب إدارة للثقافة هو أهم ما يشغلني ويشغل بال الفنانين الشباب، فما ينقصنا هو البيت والمكان الآمن لجميع الفنانين التشكيليين، الذي يوفر المناخ الملائم للفنان ليبدع ويعطي، إذ من دون هذه الإدارة المستقلة وأكرر المستقلة لا مكان لأي تميز أو عطاء، وأتصور أن في غيابها عارا كبيرا، وإحراجا أمام الفنانين الذين يردون البحرين متسائلين عن غياب هذه الإدارة المهمة، فإدارة الثقافة الحالية تابعة لوزارة الإعلام، إذا أين عملها الخاص بها؟! إذ إن هناك الكثير من جوانب القصور في الثقافة لدينا، ولو قمنا بمسح بسيط لهذه الجوانب لاكتشفنا عمق هذه المشكلات التي لم تمد لها يد المساعدة إلى الآن، انظر الى المسرح مثلا، نحن حتى اليوم لا يوجد لدينا مسرح متنقل... اللهم إلا بجهود فردية، وانظر الى حال الفن التشكيلي ومعاناة الفنانين وانظر الى أشياء كثيرة لاتزال تراوح مكانها، أليس من حقي وحق الفنانين النظر الى الأمام؟ أليس من حقي وحقهم تحقيق الأفضل؟ فما أراه أن جمهورية مصر العربية توجد بها إدارة للثقافة وكذلك الدول العربية، فهل افتقرنا الى الخامات المادية والإدارية لتكوين إدارة للثقافة؟ إدارة ثقافة يمكنها تحقيق حياة جديدة للفنانين. فالخطورة التي يدركها جميع المتابعين أن الكثيرين من الفنانين بدأوا التراجع والفنان الناشئ لو حاول الانخراط في سلك الفن والتشكيل لما استطاع ذلك بسبب خوفه من ضياع مستقبله، هذه أمور لمستها في السنوات الثلاث فقط التي قضيتها في البحرين مشتغلا بالفن بعد رجوعي من الجمهورية المصرية، فما هو حال السنوات السابقة؟!

والمهرجانات والملتقيات الفنية ألم تحقق شيئا لكم؟ وماذا عن ملتقى البحرين أصيلة؟

- ملتقى البحرين أصيلة كان إشارة أيضا الى غياب إدارة للثقافة تهتم بشئون الفنان البحريني وتشجعه وتساعده على الظهور، كما أنها تدل أيضا على أن هناك تهميشا للفنان البحريني، فقد جاء هذا الملتقى تحت اسم ملتقى البحرين أصيلة، فكيف يتم اقران اسم مملكة مثل البحرين الى جانب اسم منطقة أو قرية أو محافظة مغربية؟ ثم ما حكاية هذا العدد الكبير من الفنانين المغاربة الذين هيئت لهم كل أسباب الراحة، في حين كان فنانونا يذهبون الى أصيلة على نفقاتهم الخاصة ليمثلوا البحرين؟! هل افتقرنا نحن في المملكة الى الفنانين البحرينيين حتى يأتي الفنانون المغاربة ليعلمونا الرسم على الجداريات؟ ثم إن قصر مدة هذا الملتقى أيضا علامة استفهام كبيرة، فقد كان بالإمكان تمديده الى شهر كامل مثلا لتتاح الفرصة للكوادر البحرينية، بدلا من عشرة أيام أستأثر بها الفنانون المغاربة. ولا أتصور حقيقة اننا بحاجة الى هذه المهرجانات، ولكننا بحاجة الى مهرجانات تعلي من شأن الفنان البحريني، فلماذا لا تكون لدينا ونحن من نحن على مستوى الخليج مشروعات بحجم البيناليات أو الترلياليات مثلا؟!

والنحاتون الشباب لماذا لا نرى لهم حضورا مثلك؟

- لأنه مع الأسف وأقولها من قلب مجروح: لا يوجد غير خالد فرحان من جيل الشباب من يتعاطى النحت وخصوصا مع القطع الكبيرة، فما هو حاصل أن هناك نواقص كبيرة في مجال النحت، والسبب راجع الى الجهد والمشقة والصبر الذي يتطلبه النحت والى الأسباب التي ذكرتها آنفا، ولكن وجود أعمال كبيرة للفنان الشاب يعكس انطباعا يشير الى أن الفنان أكبر من سنه، كما أن هذه القطع الكبيرة كثيرا ما أثارت التفكير لدى الفنانين الشباب للولوج الى هذه المنطقة.

وكيف ترى انشغال الفنان بأكثر من لون من ألوان التشكيل؟

- أنا أستغرب حقيقة من ممارسة الفنان أكثر من لون من ألوان التشكيل، فكيف يستطيع الفنان الجمع بين الغرافيك والتصوير الفوتغرافي والتصوير الزيتي والنحت؟! إن هذا التجميع كثيرا ما أدى بالفنان الى الفشل والى عدم تحقيق شيء يذكر، فالمطلوب تركيز الفنان على لون واحد ليكون قابلا لتكوين أسلوب وخطوط إبداعية خاصة، فتحديد التميز بين أسلوب وآخر لا يتهيأ للفنان بين يوم وليلة، ولكنه رحلة بحث طويلة مقلقة ومتعبة يتحول فيها الفنان من خامة الى أخرى حتى يستقر على شيء محدد.

هلا أعطيتنا توضيحا أكبر لمسألة التميز في الأسلوب؟

- لو نظرنا الى أعمال مايكل أنجلو لوجدنا أن إمكان الفنان على النحت لا يعادله موهبة أخرى، ولو تتبعنا أعمال بيكاسو لوجدناه يتميز بأكثر من لون من ألوان التشكيل، ولكن هذه إمكانات الفنان ومواهبه، ولكنني أتحدث هنا عن اللمسة الابداعية التي تنشأ بفعل تصور الفنان لعمله، وليس بسبب عبثيته، فكما أتصور ليست هناك عبثية في الفن، وإنما هناك مصادفة، بمعنى أن يعمل الفنان فيكتشف شيئا مغايرا يضيف الشيء الكثير الى جمالية العمل، وهذا لا يتأتى في الواقع إلا بفعل البحث والعمل الدائب، إذ نجد على الطرف الآخر بعض الفنانين الذين يرتضون ويقنعون بلون معين لا يغادرونه. وأنا أعمل مثلا وبحسب الإمكانات المتوافرة على خامة الخشب، وهي مادة فقيرة متوافرة في كل مكان، ولكنها تحتاج الى رؤية، فكما أننا ننظر الى الحضارات السابقة ونرى أن ما يميزها هو طبيعة الأسلوب الذي تناولت بها فنونها، فكذلك عندما يقف الفنان أمام الخامة محددا لها يقف معه جنبا الى جنب أسلوبه الخاص به، والحال هو نفسه مع الخامات الأخرى، فالخامة ما هي إلا أداة، بينما يبقى للفنان تصوره وأسلوبه الذي يأخذ منه تميزه.


الأسطورة... عندما تكلم الشجر

كان الليل يرخي أذياله وكانت الساعة تشير الى منتصف الليل، وكان الفنان الشاب يسير الهوينا على شاطئ البحر عندما علقت عيناه بقطعة خشبية كبيرة تتمدد على شاطئ البحر، نادته في حب شفيف فلم يجد نفسه إلا أمامها وتسمرت عيناه، حكت له القطعة حياتها وكيف أنها ظلت تنتظر نحاتها الذي سيعيدها سيرتها الأولى، عندما كانت نخلة تطاول بقامتها السماء، فلم يتعد مكانه حتى أناخ جسمه عاكفا على جروحها مداويا لها، حتى إذا أحس بعيون الغرباء وهي تلتهم هذا الجمال، حارقة بعض أجزائها، لم يجد بدا من الذهاب بها الى مكان آخر، وهناك لم يترك لحظة من لحظات عمره إلا وقضاها معها، حتى جلاها أخيرا تحفة فنية بديعة تتلألأ آناء الليل وأطراف النهار عند باب متحف البحرين الوطني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً