قبل سنوات ليست بكثيرة، وعندما كنا لانزال في بداية حياتنا، كنا نشاهد الطيور المهاجرة تأتي تباعا إلى سواحل البحرين وخليج توبلي وخصوصا جزيرة النبيه صالح.
وفي جزيرة النبيه صالح تحديدا، كانت الطيور تستمع بحلو الجزيرة المتمثل في مياه عيونها العذبة بدءا «بالجوجب» الكبير وانتهاء بينابيع البحر المنتشرة على السواحل، وتستمتع بملمحها المتمثل في ساحلها الذي يحتضن تلكم الجزيرة الوادعة بأهلها وبساتينها...
اليوم انقلبت الحكاية رأسا على عقب، وكأن المنطقة خرجت من حرب ضروس لم تبق في المنطقة أي أثر لتلك الملامح الجميلة، فأين سواحل جزيرة النبيه صالح، هي اليوم محاطة بفلل وبيوت يمتلكها عدد قليل من سكان البحرين، وأين عيونها العذبة؟ هي اليوم مجرد أطلال عفا عليها الدهر، تحولت إلى أرض قاحلة لا يشير بطنانها إلى أنها كانت في يوم من الأيام عيونا، وحولها الردم والدفان على طول الجزيرة إلى خربات كحال شواهد تاريخية كثيرة في هذا البلد الصغير. وإن تركنا هذه العيون التي سيأتي يوم نقتنع فيه بضرورة دفنها، ولربما سنحتاج إلى وضع شواهد على قبورها ونكتب عليها سنة الموت، ولا مانع من أداء صلاة الميت عليها قبل أن نواريها في مثواها الأخير، وإن حدث ذلك فإن معظم أراضي جزيرة النبيه صالح ستتحول إلى مقابر للعيون والشواهد التاريخية.
وفي لمحة سريعة، تتراءى لزائر الجزيرة بالقرب من مرقد النبيه صالح، مقبرة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ؛ قبور نحتت بطرق جميلة، وإن كان المكان الذي تحول إلى أشبه بالخربة لا يضفي جمالا على تلكم القبور التي أضحت لمسة لأهالي جزيرة النبيه صالح، ولا أدري أين الجهات المعنية من هذه الآثار أم أن هناك مخططا لإزالتها لأنها لم تصنف بعد على أنها شواهد تاريخية!
وما حكاية المزارع المحيطة بالجزيرة إلا هم آخر، يضاف إلى هموم أهالي الجزيرة التي لم تنته ولن ينهيها جسر سترة الجديد الذي يهدد بحارتها بهلاك مائهم واضمحلال صيدهم، وهذه المرة فإن الصبغة الرسمية واضحة المعالم في القضاء على آخر ما تبقى لجزيرة النبيه صالح وهو بحرها الذي ربما لن يطول بقاؤه ليتحول إلى أراض للدولة، أو لربما تحولت إلى ملكيات خاصة حالها حال كثير من أراضي السواحل والبحر التي ردمت وتحولت إلى حسابات خاصة
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ