مع اقتراب الصيف يزداد الحديث عن العين وضرورة حمايتها، لتبرز النظارة الطبية السوداء ومحلات البصريات التي تتاجر بها، إذ يندر أن تقع العين على فتاة أو فتى لا يرتدي هذه النظارات وخصوصا السوداء منها، والجميع يتحدث عن هذه النظارات وعن الفائدة التي تهبها للعين إذ تحميها من أشعة الشمس. والأمر سواء في ذلك لدى الجميع، فمن لا يمتلك المال اللازم لشراء نظارة طبية مرتفعة السعر اكتفى بنظارة تتناسب مع موازنته.
ولكن هل تقف فائدة النظارة السوداء عند هذا الحد؟ ماذا عن تأثيرها النفسي والانسجام والتألق الذي تضفيه على مرتديها كما يدعي البعض؟ وما أضرار النظارات السوداء ذات العدسات الرخيصة؟! كل هذه الأسئلة نحاول الاجابة عنها في طيات التحقيق الصحي الآتي...
يقول مهدي صباح الذي كان يتسوّق في احدى محلات البصريات باحثا عن نظارة سوداء تتلاءم مع ذوقه: «لست بحاجة الى من يعرّفني بأهمية النظارة السوداء في حماية عيني من أشعة الشمس، فالأمر سواء هنا، والكل يطلب الصحة والسلامة، واذا كنت سأشتري نظارة لهذا الغرض فسأختار الأفضل طبعا والتي تتناسب مع ذوقي، وكوني رجلا فان ذلك يجعلني أتخير اللون الأسود الذي يتلاءم مع العين ويدل في الوقت نفسه على خشونة الرجل».
بينما تقول سعاد ابراهيم التي كانت قريبة منه: «لا أعلم في الواقع ما الذي يشد الناس وتحديدا الشباب منهم الى النظارة السوداء، ولكنني أشعر بأهميتها، فلم أجد نظارة يمكنها اضفاء الصحة على العين إلا تلك التي تحمل اللون الأسود، فاللون الأسود لون داكن يضفي الطمأنينة ويؤكد أن العين في سلامة من كل خطر».
نظرة تشاؤمية وأخرى واثقة
ويقول محمد ابراهيم وهو طالب في جامعة البحرين، مشيرا الى الجانب النفسي الذي يمكن للنظارة السوداء أن تضيفه أو تنقصه من شخصية الفرد: «أرى أن العين بحركاتها وسكونها ونظراتها أسرع وسيط لانتقال الأحاسيس والمشاعر بكل ما تخفيه بين طياتها، والإنسان بطبيعته ونظرته وتصوره للحياة هو الذي يحدد ما اذا كان ممن يلبسون هذه النظارة أم لا، أما أنا شخصيا فبمجرد أن أضع هذه النظارة على عيني لا أرى سوى التشاؤم وبُعد الأمل واختفاء كل ما هو جميل على وجه هذه الدنيا».
تلك نظرة نفسية تقف منها آسيا الرويعي موقفا محايدا وان كانت ترى «ان النظارة السوداء تساعد الشرقية على الظهور بمظهر الواثقة من نفسها، فبدلا من أن ترى الناس يحدقون فيها تستطيع هي من خلال هذه النظارة التحديق والتأمل في الناس، فهي تساعدها مثلا فيما لو تقدمت الى وظيفة ما ، فيما لو وجدت في أماكن للمرة الأولى، فيما لو كانت مع أناس لأول مرة».
ولكن عمر عبدالله حينما أمسك بخيط الكلام، قال بانزعاج: «ان النظارة السوداء تعبر بشكل واضح عن معنيين مهمين، يتمثل الأول في كونها تضع علامة استفهام كبيرة على الشباب بالتحديد، فهي تدل على أن الشباب يجري مجرى الموضة وعلى تجربة كل ما يلفت الانتباه ما يعني أنه لايزال يعيش بعقلية المراهق، والمعنى الثاني هو أن هذه النظارة تكشف عن المستويات الاجتماعية، فالنظارات ذات الماركات العالمية الشهيرة لا يقبل عليها إلا الأغنياء الميسورون فبعضها يباع بثمانين أو تسعين دينارا، بينما متوسطو الحال يحاولون تقليد الأغنياء بارتداء هذه النظارات السوداء ولكن بماركات غير مشهورة».
منذ الأزل... «السوداء» وقار وحماية
خميس جوهر، وهو رجل كبير في السن متقاعد عن العمل، لا يعبأ بكل هذا الذي ذكر فهو يذكر أنه ومنذ وعى هذه الحياة والنظارة السوداء هي المتوافرة فقط، فقد كانت النظارة السوداء بحسب قوله متداولة بشكل كبير وكانت كل محلات البصريات تتنافس في عرضها بالشكل الأفضل، لذلك نادرا ما وجد أحدا يرتدي غيرها من الألوان الأخرى، فقد كانت النظارة السوداء توفر للعينين راحة كبرى من أشعة الشمس، كما أنها كانت تمنحهم وقارا وهيبة كبيرة على عكس الألوان الأخرى.
ولأن الفنان البحريني عبدالله ملك يعشق السباحة كان من الطبيعي ألا يستغني عن النظارة السوداء، فهو يقول عنها: «نحن في هذه السن في الأربعينات لا نفكر كما يفكر شباب العشرين، فأنا استخدم النظارة السوداء لأنها تحمي عيني من أشعة الشمس، وخصوصا أن عيني لا تستطيع مقاومتها، فحتى عند خروجي من حوض السباحة مثلا لا يمكنني الاستغناء عنها، فهي فعلا تحمي العين من الحرارة متى ما كانت نظارة شمسية حقيقية بإمكانها أن تعكس الحرارة وترد النور، وخصوصا ان طقسنا جاف رطب وحرارته مرتفعة».
النظارة شديدة السواد... نتائج عكسية
في سؤال عن قدرة النظارة الشمسية السوداء على حماية العينين، أجابتنا مسئولة أحد محلات البصريات، تحسينات الخطيب بقولها: «استطيع القول إن النظارة الشمسية السوداء فاتحة اللون وكذلك البنية أكثر النظارات الشمسية حماية للعينين، فبإمكانها حماية العينين ومدارهما من السواد ومن أشعة الشمس الحارقة، ولكن يجب الالتفات الى أن النظارة السوداء الشديدة السواد تأتي بنتائج عكسية على العين فهي توسع من حدقة العين ما يعني تعرضها لأشعة الشمس أكثر، وبالتالي يؤدي ذلك الى اضعاف قوة البصر، والكلام نفسه ينطبق على النظارات الشمسية الرخيصة من غير الماركات العالمية الشهيرة، فهذه النظارات الرخيصة مشكلتها الرئيسية تتمثل في عدساتها الرديئة التي يمكن أن تتسبب بأثر بالغ على البصر، على عكس النظارات الشمسية ذات الماركات الشهيرة». وفي سؤال آخر عن النظارة السوداء وعلاقتها بالحال النفسية، قال أستاذ علم النفس بجامعة البحرين توفيق عبدالمنعم: «لم تشر أية دراسة نفسية جادة الى وجود علاقة بين النظارة السوداء وبين الحال النفسية للفرد، كما أنها لم تربط بين الفرد نفسه وبين الرغبة في ارتدائه نظارات داكنة اللون، ومعظم الدراسات التي أجريت في هذا الصدد كانت تدور حول العلاقة بين الألوان والحال النفسية للفرد».
المتشائمون والألوان الداكنة
ويضيف عبدالمنعم «حينما أجريت محاولات لدراسة التفاؤل والتشاؤم كمؤشرات للصحة النفسية للفرد، لوحظ مثلا أن المتشائمين يميلون الى تفضيل الألوان الداكنة أو انه في حالات نفسية معينة يغلب عليها الكآبة قد يميلون الى تفضيل الألوان الداكنة، على عكس الحالات التي تتسم بالسرور والسعادة فإنهم يميلون الى ارتداء الملابس التي تتسم بأنها مبهرة كالأحمر والأخضر والأبيض... الخ، أما بالنسبة إلى النظارة السوداء فأحيانا تكون الرغبة في ارتدائها من أجل راحة العين، وخصوصا أن أطباء العيون عادة ما ينصحون الأفراد بارتداء مثل هذا النوع من النظارات حفاظا على أعينهم من ضوء الشمس وخصوصا في أوقات وسط اليوم، أما في أحيان أخرى وهي ليست بكثيرة فقد يشعر الفرد بالراحة عند رؤيته للأشياء من حوله بلون مختلف عن اللون الحقيقي».
يشير أكثر أطباء العيون الى أن النظارات وخصوصا النظارات الشمسية الحقيقية منها قادرة على حماية العينين من أشعة الشمس والانعكاسات الضوئية في بعض الأماكن مثل الصحراء وعلى شاطئ البحر وفوق المرتفعات الجبلية وفي الأستاد الرياضي، كذلك في بعض الحالات المرضية للعين، وهم يشترطون لكل ذلك أن يتم اختيار إطار النظارة التي تناسب شكل الوجه بحيث يكون متناسقا مع المسافة بين المركز البصري للعين وليس بالاعتماد فقط على مجرد شكل النظارة، وهذا طبعا على عكس النظارات الشمسية الرخيصة التي تكون عدساتها الملونة مصنوعة على غير الأسس العلمية والتي تضر بالعين ضررا شديدا لما تسببه من تغير في قوة انكسار العين ما يؤدي في النهاية الى إرهاق العين والشعور بالإحباط.
كما أن أطباء العيون ينفون المقولة الدارجة من أن التعود على لبس النظارة قد يؤثر على قوة الابصار فهم يرون أن العكس هو الصحيح، إذ إن استعمال النظارة في الوضع المناسب وبناء على كشف طبي يساعد البصر ويحمي العين من الاجهاد والارهاق، فالنظارة ليست مسئولة عن هذا الضرر وانما كل ما يحدث في نظرهم تغيرات في العين ينتج عنها ضعف قوة الابصار والسبب في ذلك التغير الذي طرأ على العين وليس على استعمال النظارة. كما أنهم يشيرون الى واجب الوالدين في تنبيه ومراقبة أبنائهم وحثهم على لبس النظارة متى ما كانت عيونهم تحتاج اليها، فإن عدم فعل ذلك قد يتسبب في مشكلات صحية ونفسية وتربوية خطيرة بحق أبنائهم، ويوصون الآباء بعمل كشف دوري على أبنائهم ممن هم في سن الثانية عشرة ويشكون ضعف البصر كل ستة أشهر، وكل سنة لمن هم في سن الثالثة عشرة الى الخامسة والعشرين
العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ