بعد طول غياب عاد الملف القديم المسكوت عنه ليطل على الساحة من جديد بعد أن فتحه لأول مرة بعد عقود رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة والشيخ عبدالأمير الجمري مع مطلع الألفية الجديدة متزامنا مع الشروع في الإصلاح السياسي بالبلاد.
فالملف الطائفي الذي أصبح اليوم يشكل تهديدا للمشروع الإصلاحي - بما يثيره من نزعات شوفينية لدى البعض - بات ملفا يتيما من دون أن يتبناه أحد. فالجمعيات السياسية انهمكت في العمل السياسي، وأصبحت مشغولة بالدخول في مواجهات متفاوتة مع السلطة من ناحية، ومع بعضها بعضا من ناحية أخرى.
وفي ظل هذه الاهتمامات فإن مسألة الوحدة الوطنية تغدو لا قيمة لها، لأن معظم القوى السياسية الآن أصبحت تعمل من أجل مصلحة الذات، وبحث أنجع السبل لزيادة المكاسب للطائفة التي تمثلها. قد يكون هذا الطرح مؤلما للغاية، ولكنه صريح بما فيه الكفاية لكي نستطيع أن نقيّم ونفهم الدور الذي تقوم به الجمعيات في دعم التجربة، وما أنجزت منذ العام 2001. وبالمقابل نتعرف أكثر على الأسلوب الذي تعاملت به السلطة مع القوى السياسية بتباينها، وعلاقته بدفع عملية الإصلاح نحو الأمام.
أعتقد أن مثل هذه الهواجس قد تفرض إجابة واحدة لا أكثر، وهي أن الاتجاهات الطائفية لدى المواطنين والجمعيات قد تنامت حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة من الصراع الكامن الذي هو بحاجة ماسة إلى معالجة فورية لا تحتمل التأخير. ويمكن مشاهدة أبرز تأثيرات تنامي الحس الطائفي في مسألة العريضة الدستورية التي طرحتها جمعيات التحالف الرباعي التي أطلق عليها معظم من خالفها ولم يتفق معها من أهل السنة بأنها عريضة (شيعية خالصة). في الوقت الذي ارتفعت فيه بعض الأصوات تطالب بمصلحة الطائفة التي هي مصلحة وطن بالنسبة إليها.
في ظل هذا كله تأتي دعوة الشيخ عيسى قاسم بإنشاء تكتل وطني يضم أبناء الطائفتين الكريمتين لتفتح الملف القديم المسكوت عنه، وهو ملف الوحدة الوطنية الذي عجزت القوى السياسية وأخفقت في أن تبرهن وتثبت أنه بإمكانها تحقيق وحدة وطنية ممثلة في تشكيل سياسي يتمتع بشرعية قانونية، وعمق شعبي سني وشيعي، ويقوم بممارسات عقلانية تحفظ للجميع حقوقه، وتكون مصلحة الوطن هي الأولى. فهل تجد هذه الدعوة آذانا صاغية لدى العقلاء والمخلصين من الطائفتين، بعد أن عانى الوطن العربي من نيران الحروب الأهلية في لبنان والسودان، واليوم في عراق الطائفة؟
العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ