تمر سنين ينشغل فيها المرء بالسياسة والثقافة ولكن بصيصا رياضيا هناك يجر ذاكرته إلى حيث الصبا ونكهة الفوز واللعب وحمل الكأس وتسلم الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية... شعرت بالفرح عندما رأيت نادي الشباب كيف حقق الفوز وكيف ربح المعركة. ذكرني بتلك النشوة الرياضية وبذلك الإحساس الجميل عندما كنا نرجع من اتحاد البحرين لكرة الطاولة... كنت صغيرا وكنت ألعب ثنائيا مع صديقي المحترف فيصل سعيد سواء على مستوى النادي (نادي جدحفص سابقا) أو ثنائيا على مستوى مدارس البحرين، ومازلت أحمل في ذاكرتي صورا للاعبين الذين أصبح بعض منهم نجوما في تنس الطاولة وهم: علي المادح، صالح حسن، فيصل سعيد، سلمان الدرازي وكان من ضمن هؤلاء أيضا الوزير فهمي الجودر... خرجت من اللعبة ببعض ميداليات ذهبية وفضية وكانت كل هذه الصور حاضرة في ذهني، أشتاق إليها لأنها جزء من التاريخ. لا بأس، بالأمس نلعب كرة طاولة واليوم نلعب صحافة... اليوم وأنا أتابع النجاح الباهر والفوز الكبير لنادي الشباب فجّر فيّ مكامن الشوق، وأعادني إلى ذكريات جميلة ولكن الفوز هذه المرة يختلف كثيرا فهو فوز استثنائي يحمل دلالات كثيرة ومعاني كبيرة.
نادي الشباب حقق معجزة على رغم شح الإمكانات وعلى رغم أنه الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها 7 مناطق وهي: جدحفص، السنابس، الديه، السهلة، كرباباد، النعيم، كرانة... نعم كل هؤلاء شرايينهم الرياضية تمتد إلى هذا المكان. وعلى رغم ذلك حققوا الفوز بوحدتهم، بتضافرهم. هَدَرَ الهدار برجله فحقق هدفا وصاحبَ صاحب الكربلائي المرمى - بنكهة عراقية - فزرع هدفا آخر ذهبيا فلبست حينها المنطقة الشمالية حلتها وتزينت فرحا لهذا الفوز.
منذ أمد طويل لم نرَ مثل هذه الفرحة على وجوه الناس وخصوصا شباب المنطقة الشمالية فكان يوم الاثنين يوما استثنائيا يجب أن يكلل بنجاح آخر وهو توفير النادي النموذجي الذي وعد به الأهالي والشباب، وأن يوفر المناخ الرياضي السليم لنخلق الإبداع ونؤهل الطاقات الشبابية، وهي فرصة ذهبية للسلطة لأن تعمل على إيجاد نادٍ متكامل مع منشأة رياضية لكل الألعاب كما هو موجود في المحرق والرفاع؛ لكي يستطيع هؤلاء الشباب أن يفرغوا احتقاناتهم وفراغهم وقدراتهم في هذا الموقع. كل يوم نفاجأ بإبداعات في هذه المنطقة على رغم ضعف الإمكانات. بالأمس مهرجان الإسكافي، اليوم انتصار نادي الشباب، غدا مشروعات أخرى...
هؤلاء اللاعبون المحترفون خطفوا الكأس وأحرجوا كل الأندية لأنهم لم يعتمدوا على ملاعبهم الرملية المتصدئة، ولا على ما تمدهم به مؤسسة الشباب والرياضة من دراهم معدودة، ولا على مقرهم المتواضع الذي كان ذات يوم مدرسة ابتدائية قديمة مليئة بالشحوب كأنها امرأة شمطاء. ولكن تم ذلك بفضل وعي إدارة النادي وقدرة المدرب وإخلاص الجمهور وإبداع اللاعبين... انها الإرادة... مرت أعوام لم تحقق المنطقة فوزا كهذا ولكن عندما اتّحدت كل هذه المناطق تحقق النصر وهكذا هي الوحدة فلربما يعطي الرياضيون ما عجز عن تحقيقه السياسيون.
الدولة يجب أن تقوم باحتضان اللاعبين وخصوصا المحترفين... بعض اللاعبين بلا أعمال في بعض نوادينا أو بعضهم من المحترفين الذين رفعوا اسم المملكة في الخارج وهم مازالوا يعانون من نظام النوبات في أعمالهم أو بعضهم برواتب متدنية... في الغرب توفر للمحترف كل الأجواء بما فيها الاستقرار الوظيفي وهذا ما يأمل فيه شبابنا اليوم بمن فيهم لاعبو نادي الشباب... شبابنا طموح... لقد كان «بيليه» يعمل في صباه ماسح أحذية إلى أن تحول إلى اللاعب الأول في العالم وكان يلقب بـ «الجوهرة السوداء». وسؤالنا: كم من جوهرة سمراء توارت بسبب أحزمة الفقر والإهمال وعدم التشجيع. إن هذه النجوم السمراء بإمكانها أن تخطف الشمس وتقدمها على طبق من ذهب إلى ساحات الوطن الرياضية ولكن شريطة أن تحتضن رياضيا فيُقدّم لها نادٍ نموذجي كنادي المحرق.
إن هؤلاء يلعبون للوطن فبين هتاف المشجعين وصراخ المدربين وأهداف اللاعبين خطفوا الكأس، وأملهم من جلالة الملك - حفظه الله - أن يهبهم الكأس الاخرى والمتمثلة في نادٍ نموذجي كبير مع منشأة رياضية تضم كل الألعاب؛ ليرفعوا دائما علم المملكة خفاقا. كما أن هناك حقيقة أخرى وهي ان الجمهور هو الذي أحرز الأهداف بتشجيعه للاعبين. لقد بقيت كرة القدم تاج الرياضات شعبيا مثلما تعد ألعاب القوى أم الألعاب تاريخيا. انه فوز يجب أن يستثمر بوعي لصالح هذه المنطقة ولصالح الوطن، ورحم الله الإمام الخميني إذ يقول: لست رياضيا ولكني أحب الرياضة. نعم نحب الرياضة عندما تتوشح تواضعا وأخلاقا، عندما تمر بهدوء، عندما تخدم الوطن ويخدمها الوطن، عندما تنسجم مع القيم وأخلاق الدين. طبعا إدارة نادي الشباب تستحق الشكر على مجهودها. فعلا كان يوم الاثنين يوما عنابيا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ