العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ

هل يجيب القادة على أسئلة الشعوب؟

رسالة إلى القمة

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

مازالت احتمالات عقد القمة العربية في الأسبوع المقبل بتونس، متأرجحة، على رغم التصريحات الرسمية...

فثمة من يراهن على أن القمة قد تؤجل من موعدها المعلن، أو قد ترحل من مكانها المقرر، والأسباب كثيرة والتكهنات، وربما الشائعات أكثر، وكلها تتحدث عن مفاجأة اللحظة الأخيرة.

من ناحيتي، أراهن على أن اللحظة الأخيرة، قد تشهد انعقاد القمة بمن حضر، فالرؤساء والقادة الغائبون كثر، وهذا ما يقلق تونس والأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، الذي أظنه بحكم معرفتي القديمة، قد وصل إلى الدرجة العليا من مراحل الغليان، الذي يكتمه بابتسامة عريضة أو تصريح متفائل...

دعونا نراهن على انعقاد القمة في زمانها ومكانها، فهل سيجيب القادة المجتمعون على أسئلة الشعوب المعدومة المقهورة الملتهبة بالغضب والتمرد... وهل ستأتي الإجابات على مستوى خطورة الأسئلة؟

ولكن لا ندخل القراء في الألغاز، نقول: إن أسئلة الشعوب تتركز على محورين رئيسيين، يطرحان نفسيهما بقوة الآن على الساحة العربية الملغومة المكفهرة، هما محور أسئلة التدمير، ومحور أسئلة البناء...

أما التدمير فهو يجري في المنطقة العربية بهمة ونشاط لا سابق له، وهو يجري تحت أعيننا وأبصارنا، وربما بدعم من بعضنا، وهو يجري بمشاركة داخلية أحيانا، وبفعل خارجي غالبا، وهو يجري بتناقض فظ مع المصالح والأهداف العربية الفردية لكل دولة، والجماعية للكتلة العربية، وهو يعاكس حركة التاريخ وينقلب على قواعد الجغرافيا وخرائطها، فيدمر دولا وحكومات وأوطانا، ويدمر حضارة وثقافة، ويدمر حاضرا ومستقبلا، ويدمر كيانات سياسية استقرت طويلا، على أمل أن يقيم على الأنقاض كيانات جديدة وحكومات مغايرة، وربما ثقافات مختلفة!

أسئلة الشعوب لقادتها إن اجتمعوا بعون الله في قمتهم، المشكوك في عقدها، والمأمول في نتائجها، تقول: ماذا ستفعلون لمواجهة كل هذا التدمير الدائر بعنف دموي فوق الخريطة العربية؟ لقد سلمناكم القيادة مع الأمانة، وارتضينا بحكمكم، ووثقنا في حكمتكم، وخضعنا لأحكامكم على مدى سنوات وعقود طويلة؟ بصرف النظر عما أصابنا من علل وهزائم وانكسارات وضعف وفساد ومصادرة للحريات، أملا في ألا يقع التدمير الشامل الذي يجري الآن أما وقد بدأ، فماذا أنتم فاعلون، وماذا أنتم قائلون لنا وللعالم من حولنا الذي يترقب أن يسمع معنا منكم، الجديد والمفيد والجريء، غير البيانات المُحَمّلة بالشجب المعبأة بالتورية المغلفة بالمجاملات؟!

ماذا ستتخذون من قرارات حازمة قابلة للتنفيذ العملي، وليست لمجرد الاستهلاك الدعائي، واسترضاء الشارع الغاضب، لوقف التدمير الشامل لكل ما تبقى من فلسطين، الذي يقوم به السفاح شارون وعصابته الإجرامية، بدعم أميركي يقوده رئيس متعجرف هو بوش الذي باع المبادئ بل والقرارات الدولية، مقابل الصوت اليهودي في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة...

دعونا نصارحكم للمرة قبل الأخيرة، لولا الصمت العربي «الرسمي»، الذي يوصله البعض إلى حدود التواطؤ «لا سمح الله!»، لما تمكن شارون من ممارسة هوايته الشيطانية في تدمير فلسطين إلى هذا الحد، وبهذه السرعة المتعجلة، ولولا أنه لم يجد رد فعل عربي، لما استباح أرواح الفلسطينيين من الأطفال حتى القادة بهذه الوحشية البربرية، ولولا أنه اطمأن كامل الاطمئنان إلى أن الدول العربية مجتمعة لن تستطيع فعل شيء أكثر من احتجاجات الميكروفونات، لما أقدم على تدمير غزة والضفة، بهدف تدمير أي أمل في إقامة دولة فلسطينية منفصلة قابلة للحياة.

ولولا كل هذا مرة أخرى، لما تشجع بوش على مساندة شارون، ولما تمكن رئيس الدولة العظمى المنفردة، من تدمير مبادئ الشرعية الدولية والقوانين والقرارات الدولية، والمبادئ الأميركية ذاتها، التي كانت السياسة الأميركية تدعي في السابق، أنها تحترمها وتراعيها!

ماذا حقا ستفعلون لوقف هذا التدمير الرهيب، غير التنديد والاستنكار؟!

أسئلة الشعوب لقادتها الذين سيجتمعون بعد أيام في قمتهم المُرَحّلة، تتراقص مرة ثانية، بشأن الموقف العربي الرسمي، من تدمير العراق، الوطن والشعب والدولة...

لقد وافق معظم القادة العرب قبل أكثر من عام، على الحملة الانجلوأميركية، لغزو واحتلال العراق، بذرائع واهية وحجج متباينة، ربما كان أهمها الترحيب بإقصاء زميل مشاغب لهم، هو صدام حسين، على رغم إدراك بعضهم لخطورة الاستعانة بقوة أجنبية مسلحة، لإسقاط حاكم وتغيير نظام واحتلال دولة عربية في وضح النهار.

وجرى معظم العرب «الرسميين» وراء الإيهام الأميركي، نعني التضليل الأميركي، بأن المسألة بسيطة والمهمة سهلة «مثل شكة الدبوس»، لن تستغرق وقتا ولن تنزف دما... لكن النتائج الواضحة بعد أكثر من عام تبدو فادحة فاضحة...

وهل هناك أفدح وأفضح وأوضح، من أن الوطن العراقي يتمزق، والشعب العراقي يحترق، والدولة العراقية تتفكك، على أيدي جنود الاحتلال الإنجلوأميركي، بينما الصمت العربي «الرسمي» يزداد صمتا عاجزا خائفا مذعورا، بلا أفق للتفكير والتدبير؟!

ومثلما تسأل الشعوب قادتها العرب، عن موقفهم العملي الشجاع والجريء، تجاه التدمير الإسرائيلي لما بقي من فلسطين، تسأل كذلك عن موقفهم من التدمير الأميركي لما بقي من العراق، هل سيضيع العراق كما ضاعت فلسطين، بينما الصمت العاجز يلفّ القيادات العربية، بحجة أنهم أضعف من أن يواجهوا هذه القوة الامبراطورية العظمى، التي انفلت عيارها من دون حدود أو قيود، سياسية أو أخلاقية أو قانونية؟!

إن ثقافة الشعوب وخبراتها التاريخية المتراكمة، تقول إن موجات «التدمير الشامل» تأتي سريعا، ثم تمضي سريعا، بشرط توافر القدرة على المقاومة والجرأة على المواجهة والشجاعة لدى القيادة...

لقد دمر الهكسوس بعضا من حضارة مصر الفرعونية، لكن قيادة فرعونية جريئة هبّت وواجهت وقاومت حتى انتصرت، ومارست الامبراطورية الرومانية الطاغية شهوة تدمير العالم القديم لاحتلاله وبناء مجدها، لكنها سرعان ما تهاوت وسقطت، وأعمل التتار والمغول، كل معاول التدمير الدموي والتخريبي في بغداد ذاتها، لكنهم اندحروا في النهاية، وفعل النازيون والفاشيست بقيادة هتلر وموسوليني، الشيء نفسه في الحرب العالمية الثانية، لكنهم سقطوا حين هبّت القيادات الأوروبية والأميركية والآسيوية لوقف هذا المدّ التدميري الرهيب.

فماذا ستفعل قياداتنا، التي سلمناها حتى الروح، لوقف التدمير الإسرائيلي الأميركي لدولنا وشعوبنا وأوطاننا؟ بل كيف ستتصرف هذه الشعوب إن لم تتصرف قياداتها على النحو الذي يوقف شهوة التدمير الدائرة بعنف؟!

الآن... تأتي أسئلة البناء

بعد أسئلة التدمير...

لقد فضحت شهوات التدمير الدائرة في بلادنا وفوق الخريطة العربية كلها، هشاشة البناء العربي، سواء كان البناء الجماعي، كالجامعة العربية، ومؤسسات العمل العربي المشترك، أو كان البناء الداخلي في كل دولة عربية على حدة، فإذا الخواء هو البطل الحقيقي، الذي شجع المخربين الإسرائيليين والأميركيين على ممارسة هوايتهم في تدمير الجميع بلا خوف من رد فعل قوي، وبلا حساب لمصالح الشعوب!

ولذلك كان طبيعيا أن تلح الشعوب في أسئلتها لقادتها، عن خططهم الواضحة لإعادة البناء، بناء الإنسان والوطن والدولة والحكومة، وفق معايير عادلة وأهداف واضحة وأساليب شفافة... وأول المعايير هو إقامة العدل، وأول الأهداف هو بناء الإنسان الحر، وأول الأساليب هو تطبيق إصلاح ديمقراطي حقيقي.

ولأن قادة التدمير الأميركي، رفعوا شعار الإصلاح الديمقراطي، وسيلة لاحتواء المنطقة المشتعلة، ولإخفاء أهدافهم في الوقت نفسه، سارع القادة العرب في رفع شعار الإصلاح الديمقراطي المضاد لاحتواء الشعار الأميركي، ودارت المزايدة بلا قواعد محددة واضحة أمينة. وبقيت الشعوب خائفة من هذا، وواجفة من ذاك!

ومقابل المبادرة الأميركية المعروفة «الشرق الأوسط الكبير»، والمبادرة الأوروبية التالية لها بشأن «الإصلاح عبر المشاركة»، جاءت المبادرات العربية من جانب نحو نصف الدول العربية، ثم تداخلت «مبادرة الاسكندرية للإصلاح الديمقراطي» باسم المجتمع المدني العربي، فتلقفها معظم القادة العرب، وكأنها عصا موسى، التي ستبتلع كل المبادرات الأجنبية...

حسنا... ها هي الشعوب العربية تسأل قادتها، ربما للمرة الأخيرة، هل أنتم جادون حقا في إجراء الإصلاح الديمقراطي من الداخل؟ أم أنها مناورة جديدة للهروب إلى الأمام واستباق الضغوط حتى تمرّ العاصفة، ثم «تعود ريمة إلى عادتها القديمة»؟!... هل سيقبل القادة بحقيقة الإصلاح الديمقراطي التي تقول أول ما تقول: إن الإصلاح الحقيقي، يعني أن يتنازل القادة عن بعض سلطاتهم المطلقة في الحكم والثروة؟ هل يقبلون بمشاركة الشعوب في اتخاذ القرار؟ هل يؤمنون حقا بتداول السلطة عبر انتخابات حرة؟ هل يوافقون على إقامة دولة القانون والمؤسسات، دولة الشعوب لا دولة القادة وحدهم؟

هذه بعض أسئلة الشعوب لقادتها في قمتهم المأمولة، أسئلة تبدو سهلة عند الكتابة، لكنها صعبة عند الإجابة... وما بقي هو الأصعب!

خير الكلام:

يقول الأخطل الصغير:

قل لمن حدد القيود، رويدا

يعرف الحق أن يفكّ قيوده

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً