العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ

حرب ألغاز

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في تصريح غريب اعترف وزير الخارجية الاميركي كولن باول أن جهات معينة (لم يحدد من هي) ضللت عمدا المخابرات (سي. آي. ايه) بوجود اسلحة دمار شامل في العراق. وهذه المعلومات الكاذبة سببت اعلان الحرب.

«عذر أقبح من ذنب». فهذا النوع من الكلام يؤكد مجددا أن الادارة الاميركية مستمرة في مسلسل الاكاذيب فما إن تنكشف واحدة حتى تنتقل الى اخرى، وكأن شيئا لم يكن. فالاعتراف عادة يأتي بعده الاعتذار ثم اعادة قراءة نقدية للملف حتى لا تتكرر الاكاذيب والحروب ومن ثم تأتي بعدها الاعذار.

اعتراف باول لا قيمة له بعد ان حلت الكارثة وأُنزلت بالعراق تلك الحرب الشاملة التي انتجت حتى الآن مجموعة من التداعيات لا تبرر اطلاقا تلك الاسباب التي تذرعت بها الادارة لاعلان الحرب. فالحرب بحد ذاتها كانت خطأ مهما حاولت واشنطن التذرع باسبابها او التخفيف من نتائجها. فالحرب في اصلها عدوانية وغير عادلة حتى لو وجدت «اسلحة الدمار الشامل». فهذه الذريعة بحد ذاتها ليست حجة كافية لتدمير دولة واحتلالها. وما حصل في العراق لا صلة له بذاك الادعاء. فالحرب لم تحصل بسبب «اسلحة الدمار» بل لاسباب اخرى لاتزال الادارة الاميركية تكذب بشأنها وتناور لكسب الوقت.

الاسباب الاخرى، غير كذبة اسلحة الدمار، هي ما يجب البحث عنها وهي معروفة ولكن الادارة الاميركية لاتزال تناور وتدور حولها حتى تضيع الحقيقة بفعل تقادم الزمن.

«اسلحة الدمار الشامل» كذبة يعرفها باول قبل حصول الحرب، وهو يعرف مثل الادارة الاميركية الاسباب الحقيقية لشن الحرب. فالاسباب كثيرة وابرزها محاولة السيطرة على منطقة «الشرق الأوسط» وإعادة رسم خريطتها في اطار استراتيجية دولية كبيرة، ومحاولة السيطرة على حقول النفط وتفكيك منظمة «أوبك» والتلاعب بالاسعار للضغط اقتصاديا على الكتلتين الآسيوية والاوروبية، تدمير دولة عربية وتأمين حماية امنية بعيدة المدى لـ «اسرائيل»... وغيرها من اهداف لها صلة بمؤسسات التصنيع الحزبي ولا صلة لها بكذبة «اسلحة الدمار الشامل».

باول يعرف وكذلك ادارة البيت الابيض وايضا «البنتاغون» ان المعلومات التي توافرت لبعثات مجلس الامن وفرق التفتيش اتجهت كلها إلى تأكيد عدم وجود تلك الاسلحة. والحرب وقعت - وبمثل هذه السهولة - بعد ان تأكدت واشنطن من تقارير بعثات التفتيش من خلاء العراق من تلك «الاسلحة». ولو كانت تلك الاسلحة موجودة فعلا لما وقعت الحرب وربما تأخرت او على الاقل لما حصلت وفق السيناريو الذي تمت به. فأميركا اعلنت الحرب فعلا حين تأكدت بالملموس ان العراق لا يملك ذاك السلاح. فعدم وجود السلاح هو الحافز الاساسي لقيام الحرب بمثل هذا الوضوح وهذه السهولة... وهذا ما يعلمه باول وكل الطاقم في البيت الابيض.

الكلام عن وجود اسلحة كذب، والكلام عن عدم وجود اسلحة كذب، والكلام عن عدم معرفة واشنطن بحقيقة الامر كذب. البيت الابيض كان يعلم ولانه يعلم أعلن الحرب. فالحرب اساسا حرب اكاذيب في اسبابها وفي نتائجها. واعذارها اقبح من الذنوب التي ارتكبت في مجراها منذ اليوم الاول الى الآن. والسؤال متى تقلع واشنطن عن اكاذيبها، وتعلن صراحة عن الاسباب الحقيقية التي دفعت البيت الابيض الى اختراع الازمة والتذرع بها لاعلان الحرب؟

الاجابة لن نعرفها الآن، ولن نعرف ايضا من هي الجهات التي ورطت واشنطن بتلك المعلومات عن وجود «اسلحة دمار شامل». فالمهم بالنسبة لرئيس يأخذ اوامره من جهات عليا «غير منظورة» انه مطمئن لقراراته التي يرى انها تأتي من فوق ولا صلة لها بالوقائع والمعلومات والجغرافيا والتاريخ. فرئيس من هذا النوع كارثة على الولايات المتحدة والعرب والعالم. وما حصل للعراق برأي هذا الرئيس ليس مهما ما دام انه ينفذ «رغبات إلهية»، وهذه المشيئة كافية لتبرير حروبه وايجاد الاعذار لها. هذه هي ايديولوجية بوش وهي الاسوأ في تاريخ «الايديولوجيا الاميركية».

الايديولوجية الاميركية في جوهرها غير انسانية وهي قامت منذ الاصل على حب السيطرة والتنافس على القوة. ومن يقرأ تاريخ التأسيس للولايات المتحدة منذ اكتشاف كريستوفر كولمبوس لها مصادفة في العام 1492 يدرك ان هذه الدولة قامت في اساسها على القوة سواء في ضبط علاقات الجماعات في داخلها او في سلوكها مع الآخر (الهندي أو الافريقي) او مع العالم. انها اذا حرب ألغاز، وكل أعذارها أقبح من ذنوبها. أليس كذلك يا باول

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً