العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ

ندوة الإعلام العربي - الألماني: الإعلام وتحديات العولمة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

اختتمت في أبوظبي أمس الثلثاء 17 مايو/ أيار ندوة «الحوار الاعلامي العربي - الألماني: الاعلام وتحديات العولمة»، والتي نظمت بالتعاون بين مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، ومعهد العلاقات الثقافية الخارجية (ifa) التابع لوزارة الخارجية الألمانية وناقشت الندوة عددا من جلسات العمل التي بحثت المتغيرات العالمية للاعلام، ولاسيما ما يتعلق بالاعلام الذي يغطي المنطقة العربية، ودخول وسائل اعلام عربية كمنافس لوسائل الاعلام العالمية، والاختلافات الثقافية والاجتماعية واختلاف السياق، الذي يجعل هناك تباينا في ما قد يقدمه كل اعلام. وهو ما يؤثر ويتأثر في العلاقات السياسية والثقافية بين الغرب والعرب.

فرص وتحديات العولمة

أشار علي العري في الكلمة الترحيبية لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إلى أن عولمة الاعلام تطرح تحديات على العاملين في المجال الاعلامي، ولكنها في الوقت نفسه حافلة بالفرص. وأكد ضرورة استغلال الفرص وخصوصا في مجال الحوار وتقريب المسافات بين العرب والغرب. الأمر الذي تساعد هذه الندوة على محاولة القيام به من خلال التناول العلمي لموضوعات اعلامية، منها دور الحكومات في توجيه وسائل الاعلام في ظل العولمة، ودور المنظومات الثقافية المختلفة في التناول الاعلامي. وأشار العري الى الواقع الاعلامي الجديد الذي يشهد تنافسية عربية بفضل مولد عدد من وسائل الاعلام العربية الناجحة مثل قنوات «أبوظبي» و«الجزيرة» و«العربية»، ويشهد شكاوى متبادلة من تجاوز الخطوط الحمراء بين الوسائل العربية والغربية، ومن سيطرة الحكومات على وسائل الاعلام بحيث تصبح جزءا من إدارة الصراع وليس قناة لنقل الحقائق المتوازنة. ودعا العري إلى الاستفادة من الفرص التي تقدمها العولمة للتحول الى الحوار المشترك، عن طريق الافكار والحجج، بعيدا عن التناطح الايديولوجي، منوها بأن العالم العربي وأوروبا جديران بمزيد من التفاهم والاهتمام المتبادل على المستوى الاعلامي بحكم تزايد المصالح المشتركة في المجالات كلها. ودعا الاعلام العربي إلى تقديم نسخ اعلامية باللغة الالمانية لتعميق التفاهم المشترك، مفضلا أن يكون ذلك على أسس ملكية مشتركة، أو بطبيعة تجارية تراعي الجدوى الاقتصادية.

بدورها قالت برابرة كونات، من معهد العلاقات الثقافية الخارجية الألماني، التابع إلى وزارة الخارجية، في الكلمة الترحيبية من الجانب الألماني، إن الحوار الإعلامي الألماني العربي بدأ العام 1997 في المانيا ثم انتقل إلى أماكن عدة، وكان ذلك في سياق حوار الماني اعلامي مع جهات عالمية مختلفة، مع تركيز على الطرف العربي. وفي العام 1997 كان هناك تفاؤل عام بما يتضمنه المستقبل الإعلامي من احتمالات في ظل المتغيرات العالمية، ولكن حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أثبتت خطأ هذه الطمأنينة، وأكدت أن ثمة مشكلات جوهرية في الحوار بين العرب والغرب. وقد ناقشنا في الحوار الأول العام 1997 موضوع تغطية الغرب للحوادث العربية، وتغطية وسائل الإعلام العربية للحوادث الغربية، كما درسنا «صورة العدو» لدى الجانبين. وأشارت إلى انه تم حديثا اصدار تقرير باللغة الالمانية، يتضمن جهودا ورؤى لمثقفين وإعلاميين عربا ومسلمين يهدفون إلى تحقيق التواصل وتعميق التفاهم بين العرب والغرب.

وهناك اتفاق متبادل بيننا وبين الاعلاميين العرب على ضرورة تبادل الحوار بكل الصور الممكنة لأن ذلك هو الطريق إلى تعميق التفاهم. وقد شهدت الفترة الأخيرة تبادل الصور البشعة التي يبثها الجانبان في ظل نوع من أنواع الصراع الاعلامي، وهو خطأ ينبغي أن يتجنبه الطرفان، وأن يحتكما معا إلى المعايير المهنية والاخلاقية وحقوق الإنسان، ليضمن كل منهما نقل رسالة إعلامية جيدة تحظى بالاحترام، ولفتح قنوات حقيقية للاتصال والتفاهم. وأشارت كونات إلى أن هذه الندوة تتميز عن سابقاتها من فعاليات الحوار الألماني - العربي، بأنها تأتي في سياق تعاون ومسئولية متساوية وندية في التنظيم، داعية إلى العمل على تعميق الحوار الذي بينما يسعى إلى المزيد من التفاهم وتفادي الافكار المسبقة ويجسد التزاما مشتركا بحقوق الإنسان فانه يعترف بالفوارق الثقافية، والخصوصيات لكل طرف.

الفضائيات العربية مصدر للمعلومات

تحدث السفير الألماني في الإمارات يورغن ستلتسر في الجلسة الافتتاحية لافتا النظر الى وقوع الخليج العربي في هذه المرحلة في مركز السياسة العالمية، وإلى ان العراق يقع في مقدمة هذه السياسة، مؤكدا أنه على رغم ان هناك كثيرا من الآلام والدماء التي نشاهدها في العراق، فإن هناك نهوضا ملحوظا في منطقة الخليج، وهناك تفاؤل في مستقبل أفضل، منوها بدولة الإمارات العربية التي رآها نموذجا يحتذى في التطور والازدهار. مشيرا إلى أنها هي الشريك التجاري الرئيسي لألمانيا في المنطقة، وإلى تعزز التعاون وصولا إلى الشراكة الاستراتيجية التي تم الاتفاق عليها أخيرا.

ثم تحدث السفير الألماني عن الفرصة الذهبية التي حصلت عليها قناة «سي إن إن» الاخبارية في تغطية أخبار حرب الخليج الثانية العام 1991، إذ أدى ذلك إلى بروزها على المستوى العالمي لما حظيت به من تغطية شاملة للحرب. ثم وفي العام 1997 جاءت قناة «الجزيرة» وأصبح لها جمهورها على المستوى العالمي، كما برزت قناة «أبوظبي»، مشيرا إلى قيام عشرات من وسائل الاعلام حول العالم، ومحطات تلفزة ألمانية بالتعاون والاستفادة من المادة الاخبارية التي انتجتها قناة «أبوظبي». وأشار إلى البروز السريع لقناة «العربية» بسبب تغطيتها الأخيرة للحرب في العراق. كما أشار إلى التعاون بين اذاعة ألمانيا العالمية والعالم العربي والتي أصبح لها الآن مراسل في ابوظبي، باعتبار أنه كي ينجح العمل الصحافي فلابد من الحضور في مركز الحوادث. وذلك يعد من الشروط المهنية الاساسية في العمل الصحافي، وهذا ما نسعى الى تحقيقه.

فهم الفروق الثقافية

من جهته قال نائب مدير الإدارة العامة للاتصال في وزارة الخارجية الألمانية رينهارد شوارزر ان السبب الرئيسي في اختيار أبوظبي مكانا لانعقاد هذا المؤتمر هو العلاقات المتميزة بين المانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة. وقد عزز التعاون بين الدولتين زيارة، نائب رئيس الوزراء، وزير الدولة للشئون الخارجية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، لألمانيا في ابريل/ نيسان الماضي وقبل ذلك زيارة المستشار الألماني غير هارد شرودر الى دولة الإمارات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. مشيرا إلى أهمية دولة الامارات كشريك تجاري لالمانيا في العالم العربي. ومشيرا إلى التعاون المتميز بين قناة «أبوظبي» الفضائية ومحطات تلفزة المانية رئيسية. داعيا إلى تكثف هذا التعاون بين الجانبين على المستوى الإعلامي.

وتوقف شوارزر عند دور برامج المحطات الفضائية العربية في الوقت الحالي، والتي أصبحت تعادل في أهميتها وانتشارها برامج المحطات الغربية، مع تركيزها على شئون الشرق الأوسط. ولكن ضمن منظور مختلف عما هو بالغرب. مشددا على أهمية مناقشة هذه الفروق. وعلى فهم التباين في السياق بين ثقافات الاعلام المختلفة على خلفية عولمة وسائل الإعلام.

وأشار إلى أن العالم العربي مركز ثقل في دبلوماسية ألمانيا العامة، ويحتل الحوار مكانا متميزا في هذه الدبلوماسية، وتؤدي وسائل الاعلام دورا مهما في تعزيز هذا الحوار، وقد افتتحت المانيا مركزا اعلاميا في القاهرة، وهو المركز الاعلامي الألماني الثالث من نوعه على مستوى العالم خارج ألمانيا، ليساعد على بث معلومات عن الحياة والثقافة الألمانية، وهناك اتجاه لتأسيس موقع على الإنترنت باللغة العربية كي يوضح للجمهور العربي صورة شاملة عن ألمانيا، مشيرا إلى برامج مستقبلية قريبة في سياق برنامج الحوار الألماني العربي، تتضمن دعوة إعلاميين وخبراء عرب لزيارة ألمانيا الخريف المقبل، سعيا إلى مزيد من تعريف الجمهور العربي بألمانيا والثقافة الألمانية.

ضغط الإعلام على السياسيين

أما الأستاذ الباحث في مركز الدراسات المتقدمة في الصحافة الدولية في جامعة دورتموند الألمانية أوليفر هان، فقد أشار الى وصف بعض الباحثين حرب العام 2003 بأنها حرب أيضا بين شبكات الاعلام. قائلا إنه من الأمور الواضحة جدا أن هناك تنافسا اعلاميا كبيرا بين المحطات التلفزيونية الفضائية العربية والغربية. فقد أصبحت المحطات العربية مصادر معلومات في الغرب عموما، وتعتبر ألمانيا المحطات العربية مصادر ذات صدقية للمعلومات، وتعتبر محطتي «الجزيرة» و«العربية» أهم مصادر المعلومات للتلفزيون العام والخاص في ألمانيا بما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.

وأضاف: لقد أعطانا نجاح محطات مثل «سي إن إن» و«الجزيرة» أمثلة عن تجارب ناجحة في مجال الإعلام، فقد أصبحت محطة «الجزيرة» معروفة بشكل كبير بسبب حوادث الحادي عشر من سبتمبر والحرب التي تلتها في أفغانستان. وقد تعرضت محطة «الجزيرة» لانتقادات من الحكومات العربية وبعض الحكومات الغربية، وربط هان، بين هذه الانتقادات وبين الاستقلالية النسبية التي تتمتع بها القناة.

وأشار الى أن التغطية المتواصلة للحوادث على مدار الساعة، والبث الحي الفوري للحوادث، وبث معلومات مفصلة عنها، أدى إلى ضغط على العاملين في السياسة، ولاسيما لجهة ضرورة المتابعة الدائمة لهذه المحطات، نظرا إلى التطورات السريعة التي يشهدها العالم، ولسرعة التحرك في ضوء الأخبار المختلفة. وأشار هان، إلى ما قاله انثروبولوجيون في الستينات من القرن الماضي، من أن الثقافات تتباين في اتجاهها، ومن هنا فلكل معلومة أبعاد ثقافية وتنشأ في سياقها الثقافي والحضاري، فالمحطات الفضائية العربية لا تعمل في سياق مستقل، وانما في سياق الثقافات والبيئة المحيطة بها، فهناك تباين واضح في نقل الحوادث والأخبار، فعلى سبيل المثال تستخدم الكثير من وسائل الإعلام العربية الكلمة العربية نفسها للفلسطينيين الذين ينفذون العمليات الانتحارية في «اسرائيل» وهي كلمة «شهيد»، وينظر في الغرب الى استخدام هذا المصطلح على أساس أنه يمثل انحيازا للقضية الفلسطينية، وفي المقابل فإن بعض وسائل الاعلام الغربية تستخدم التعبيرات الملطفة التي يشتقها العسكريون وتطلق على العمليات التي ينفذها الجيش الاسرائيلي ضد من يزعم أنهم ارهابيون اسم عمليات «القتل المستهدف» بدلا من كلمة «الاغتيالات».

وفي إطار التعاون قال هان: «إن هناك طرقا للتعاون بين وسائل الاعلام العالمية لابد أن تتجسد حقيقة واقعا بانشاء محطات مشتركة، فيمكن مثلا تأسيس محطة عربية ألمانية على غرار المحطة الألمانية الفرنسية».

وتناول هان بدء الولايات المتحدة بدبلوماسية عامة في العالم العربي، في السنوات الأخيرة، وأسس لذلك إدارة مستقلة في وزارة الخارجية الأميركية، وفي السياق ذاته جاء تأسيس محطة «الحرة» التلفزيونية الفضائية التي تبث باللغة العربية والتي تركز على الشرق الأوسط في نشر الأخبار، وتهدف إلى جعل الجمهور العربي قادرا على التفسير المتوازن للأخبار، ومحاربة الدعاية التي يرى مسئولون أميركيون أنها مليئة بالكراهية والتي تنشرها محطات عربية موجهة ضد الولايات المتحدة، وكذلك تهدف إلى نشر القيم الأميركية. ولكن يقول مثقفون متخصصون إن هذه القناة لن تنجح في النهاية لأنها قناة موجهة.

وأشار هان إلى أن هذا التنوع في وسائل الاعلام العربية والغربية يؤدي إلى تنوع في الثقافة وزيادة المعلومات، ولكنه تساءل: إلى أي مدى يمكن أن يؤدي ذلك إلى دفع التعاون بين الثقافات؟ داعيا إلى الاستفادة من تجارب الماضي، وإلى تخطي سبل صعوبات التواصل التي برزت في سياق هذه التجارب، كالصعوبات التي برزت بسبب اللغات، وداعيا إلى الحرص على جعل الإعلام جزءا من سبل تعزيز التفاهم

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً