مقتل رئيس مجلس الحكم الانتقالي (المؤقت) عزالدين سليم على مدخل مقره بانفجار سيارة في وسط بغداد إشارة سيئة. فالانفجار حصل قبل ستة أسابيع من انسحاب (إعادة انتشار) القوات الأميركية في العراق في 30 يونيو/ حزيران المقبل. وهذا يعني أن الاحتلال غير قادر حتى قبل إعادة موضعة قواته على حماية الهيئة التي انتدبها لحكم العراق مداورة وبحسب تسلسل الأحرف الأبجدية. ويعني أيضا أن مجلس الحكم المعين غير قادر - على رغم مرور أكثر من سنة على الاحتلال - على حماية مقراته من هجمات محتملة لا تعرف الجهة التي تفعلها أو تخطط لها.
الانفجار الأخير علامة سيئة لأنه يشير إلى وجود حال من الاضطراب الأمني يحتمل أن يجر البلاد إلى نوع من الفوضى العارمة تخطط لها واشنطن أو على الأقل يكون الاحتلال المستفيد الرئيسي منها. فالفوضى تخدم الاحتلال بعد انسحابه الجزئي لأنها على الأقل تبرر وجوده الدائم وتخدم خططه على الأمد البعيد. فالاحتلال لا يريد الخروج من العراق وحتى يحتفظ بحقه في الاستمرار لابد أن يعمد إلى إيجاد (أو تسهيل) المبررات التي تضمن دوره في حفظ الأمن أو مراقبة الحدود أو تثبيت أقدامه في نقاط استراتيجية حساسة في القواعد العسكرية ومهابط الطيران.
الفوضى إذا هي أوكسجين الاحتلال الأميركي للعراق، ومن دونها يصبح وجوده لا مبرر شرعيا (سياسيا - أمنيا) له، لأنه بالاستقرار والتفاهم والتضامن الأهلي يفقد وظيفته ويعود العراق الواحد الموحد إلى العراقيين. وهذا ما لا يريده الاحتلال، وهذا ما يبدو أن واشنطن خططت له منذ بداية حربها على العراق. وأعضاء مجلس الحكم الانتقالي كانوا مجرد أدوات واعية (أو غير واعية) لتنفيذ مثل هذا المشروع التقويضي للعراق وربما لدول الجوار في المستقبل إذا جدد للرئيس جورج بوش ولاية ثانية.
الفوضى إذا هي هدف أميركي بامتياز وليس مهما بالنسبة إلى واشنطن من يقوم بها أو من يساعد على انتشارها، ففي النهاية كل الروافد ستصب في مصلحة المشروع التقويضي الكبير سواء في العراق أو محيطه.
مقتل رئيس مجلس الحكم الانتقالي إشارة جديدة تضاف إلى سلسلة وقائع تؤكد وجود خطة لا تريد للعراق أن يستعيد حيويته وعافيته بعد حكم استبدادي استمر أكثر من ثلاثة عقود. فأعضاء المجلس وبغض النظر عن نواياهم الطيبة أو السيئة كانوا طوال سنة كاملة «شهود زور» على وضع قلق اتسم منذ اليوم الأول للاحتلال بالتوتر السياسي المتصاعد. فكل يوم أسوأ من السابق على المستوى الأمني، وكل يوم يمضي هو أفضل من السابق على المستوى السياسي. فالفوضى الأمنية لمصلحة الاحتلال وانكشاف أهداف القوات الأميركية لمصلحة الشعب العراقي. وهذا التعارض بين الأمن والسياسة كشف أوراق أعضاء مجلس الحكم وفضح ضعفهم وسوء إدارتهم للبلاد.
أعضاء مجلس الحكم، ومن غير وعي منهم، أسهموا في زرع الفوضى. وأساس مشاركتهم في تعميم الانهيار العام هو موافقتهم الاحتلال على اختيار (انتخاب) رئيس للمجلس كل شهر.
وهذا يعني في الجانب السياسي أن مجلس الحكم لا يحكم فما ان يتسلم الرئيس الحالي المقاليد يبدأ بتسليمها بعد 30 يوما إلى الرئيس المقبل وهكذا دواليك. وهذه هي الفوضى بعينها. فمثل هذا التداول للسلطة، هو أقرب إلى الفوضى وليس ديمقراطية، فهو يشير إلى سلبيات، منها أن أعضاء مجلس الحكم غير متفقين على رئيس واحد ينتخب لمدة زمنية كافية تعطيه صلاحيات إدارة دولة منهارة. وعدم اتفاق مجلس الحكم أعطى ذريعة للقوات الأميركية وحاكمها الإداري بول بريمر للعب على التعارضات وإعادة توظيفها لمصلحة مخططات واشنطن.
أسهم هذا النوع الطفولي (الصبياني) في تداول رئاسة مجلس الحكم في ابقاء إدارة البلاد في قبضة الاحتلال، بينما تحول أعضاء المجلس إلى أجرام يدورون في فلك بريمر وهو الثابت في إطار التوتر الدائم والفوضى العامة.
الآن كما يبدو أن وظيفة مجلس الحكم شارفت على الانتهاء بينما الاحتلال يخطط للعودة بعد نوفمبر/ تشرين الثاني في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية. والعودة تقتضي إثارة الفوضى العارمة ودفع مختلف الأطراف إلى التصادم الأهلي. وهذا ما لمح إليه العاهل الأردني أمس الأول، وأكده وزير الخارجية العراقي المعين حين أشار في تصريح صحافي إلى أن الحرب الأهلية ستكون مدمرة إلى درجة ستعتبر حروب لبنان والصومال وأفغانستان «مجرد نزهة».
مقتل رئيس مجلس الحكم إشارة سيئة، فهي تأتي في لحظة انتقالية لتؤكد من جديد أن العراق مقبل على خطر مدمر... وهذا ما خططت له واشنطن وأراده الاحتلال من حربه على المنطقة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 620 - الإثنين 17 مايو 2004م الموافق 27 ربيع الاول 1425هـ