تلك هي مشكلات وزاراتنا لا تقبل النقد، فأكثر الوزراء يعتقدون في ذاتهم أنهم صُنعوا من عجة البسكويت ينزون حليبا وعسلا. لا يقبلون النقد ومن يقرأ «عدالتهم» في التوظيف يعتقد أن عمر بن عبدالعزيز يسكن في قلوبهم، وأنا مؤمن أن الوزير الذي يرفض النقد - وخصوصا إذا كانت وزارته مثخنة بالثقوب والشقوق كرِجْل فلاح يبست من الشمس - لا يمكن أن يطوّر مزرعته - آسف أقصد وزارته - فتتحول الوزارة إلى حنفية صدئة لا ينزل منها الماء.
أضحكني بالأمس تصريح مسئول للشئون القانونية بأن «الإفراط في التجريم يحوّل القانون إلى أداة رعب»، قال ذلك على خلفية دعوة بعض النواب الى تقنين قانون يجرم التمييز. السادة الكرام يخافون من الإفراط والتفريط في التمييز. ولكن على رغم ذلك أقول لمؤسسات المجتمع المدني إذا ابتدأتم في كسر جرة التمييز فعليكم الابتداء بإدارة الشئون القانونية لنرى الحقيقة أين تكمن، ثم لا تنسوا أن تمروا بديوان الخدمة المدنية ثم بالصحة والبلدية ثم قفوا ولو قليلا مع التوظيف في التربية ثم عرجوا على السجل السكاني مرورا بالجمارك ثم الهجرة والجوازات وميناء سلمان والطيران المدني والعمل والإعلام والكهرباء، إذا ماذا تبقى؟... يا سادة يا أفاضل: هذا الملف خطير ولا أعتقد أن الوزير المعنية إدارته بتقنين القوانين يقبل بالولوج في هذا الملف. ولو كان المشتغلون بالسياسة يعرفون من أين تؤكل الكتف لنقبوا وبحثوا عبر الآليات المتاحة للكشف عن هذا الملف، ولقاموا بتأسيس مؤسسة وطنية يُضمُ فيها الشيعة والسنة لفضح أي منتقد يقوم بتقسيم المجتمع، ولكننا للأسف الشديد قبلنا بالاحتفالات الموسمية عن الوحدة الوطنية بديلا عن آليات عملية...
وأنا على يقين أن قضية التمييز ستهدل لسانها ذات يوم ليظهر ما فيها وهنا ستُزكم أنوف وأنوف، وللأسف فإن أنوف من يتعاطى ويعمل على ترسيخ التمييز في المجتمع طويلة ولكنهم لا يرون أبعد منها وطالما صرخنا يا جماعة، ملفات كبرى يجب ألا تهمل ولكن ماذا نفعل؟ فالبعض غير سعداء لطرْق مثل هذه الملفات أو من تأسيس جمعية واقعية تبحث عن الأرقام والوثائق، ولكن كل ذلك ليس من شأنه أن يسيل لعاب البعض، وهكذا هي الملفات في تكدسٍ والمؤسسات تشحن على طريقة المحسوبية والقرابة. انظر الوزارات (...) واقرأ الاسماء ونَمْ قرير العين، وإذا كان النواب جادين فليطلبوا من كل وزارة أسماء مديري التوظيف، اسم العائلة ومن ثم يطلبوا أسماء الموظفين، حينها لاشك في أن الكمبيوتر سيصاب بعسر الهضم. ولكننا للأسف تركنا الميدان فلم يأت حميدان وخلا بالجو تعيسان؟ ألم أقل لكم سابقا الضحية هم الكفاءات؟ وما أحلاك يا مثل «ابن أمي ولا ابن عمي».
والمثل ينطبق على كل انسان عمل فهُمّش وقُدّم عليه من هو أقل كفاءة. وفتش فسترى الكثير من الآلام. لقد كادت أن تنكسر طبول من يمارسون التمييز ولكن ما الفائدة إذا كانت الأجندة مبعثرة؟ التمييز له أشكال مختلفة، فكم من موظفة مسكينة حُجبت عن الأنظار لأنها التزمت بالحجاب؟ فبعض وزاراتنا تصادر حرية المرأة عندما تلتزم بالحجاب حتى لا تخدش عيون الجمهور إلا إذا كانت المحجبة قريبة من المسئول. بين يدي أسماء لأربع محجبات، وقع عليهن ظلم المسئول. التمييز هو الذي ينخر في الوحدة الوطنية وإذا أردنا أن نحجّمه فعلينا توثيق ذلك وكتابة أسماء الذين يمارسونه وتجميعها من أية فئة كانوا ليوم قد يفتح الملف على مصراعيه وربما عبر حتى البرلمان، وهنا نضرب مثالين:
1- في الأوقاف الجعفرية هناك عدد من الموظفين غير مثبتين ومازالوا بعقود مؤقتة؛ ولأن التمييز حاصل تم تثبيت البعض الأقل زمنا من الأكثر سنين حدث ذلك في أكثر من محطة تاريخية (أبو 5 سنوات مكانك سر وأبو عامين يزيد أو يقل أهلا وسهلا).
2- وزارة التربية... خريجات جامعة يوقف توظيفهن ويتم توظيف سكرتيرات بشهادة ثانوية. جامعيون بلا عمل ومتقاعدون يعطون تقاعدا ثم يوظفون في مكان آخر (راتب تقاعدي وراتب جديد)، حصل ذلك في مؤسسة البرلمان التي وُزعت وظائفها بعيدا عن الصحافة هي والنيابة العامة وغيرها، فكيف تم التوظيف فيها؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 619 - الأحد 16 مايو 2004م الموافق 26 ربيع الاول 1425هـ