في إطار التحقيقات الجارية في الكونغرس بشأن فضائح التعذيب والاهانات في سجن «أبوغريب» صرح بول وولفوفيتز (أحد قادة رموز الشر في البنتاغون) بأن نفقات احتلال العراق للسنة المقبلة (2005) تقدر بـ 25 مليار دولار. وهذه تعتبر إشارة بعيدة إلى أن الانسحاب الأميركي ليس قريبا.
وفي السياق نفسه ذكرت مصادر «البنتاغون» في أكثر من مناسبة أن نفقات قوات الاحتلال تبلغ 3 مليارات شهريا في العراق (36 مليارا سنويا) و18 مليارا لتغطية احتلال أفغانستان. وكانت واشنطن أنفقت 40 مليارا لاحتلال أفغانستان و80 مليارا لاحتلال العراق.
مضافا إلى هذه النفقات (موازنات الحروب) وهي بلغت في مجموعها منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أكثر من 174 مليارا، هناك موازنة وزارة الدفاع التي قفزت من 265 مليارا في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون إلى 365 في عهد الرئيس الحالي، ثم 395 مليارا، ويرجح أن ترتفع إلى 401 مليار دولار في السنة الجارية.
هذا التضخم في الإنفاق على الدفاع والحروب حذر اقتصاديون أميركيون من تطوره نتيجة تأثيراته السلبية على الموازنة الفيدرالية وتشجيعه النزعة العسكرية في إدارة البيت الأبيض. فالتضخم في الإنفاق على قطاع محدد سيترك أثره السلبي على توازن نمو مختلف القطاعات الانتاجية نتيجة تركز المال في دائرة واهماله الدوائر الأخرى. وهذا ما يجعل الصناعات الحربية الطرف الأساسي المستفيد من سياسة الحروب الدائمة بسبب تضخم التوظيفات في جانب، على حساب تراجعها في الجوانب الأخرى.
ويرجح خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة أن إدارة جورج بوش أنفقت خلال السنوات الأربع الماضية ما يزيد على 500 - 600 مليار دولار على الدفاع والأمن وتمويل الحروب، الأمر الذي انعكس سلبا على الموازنة العامة فانتقلت من فائض 50 مليار دولار في السنة في عهد كلينتون إلى عجز سنوي تجاوز الـ 500 مليار دولار في السنة الجارية. وهذا في حال استمراره يعني أن الاقتصاد الأميركي مقبل على كارثة بسبب اضطرار الإدارة إلى اللجوء إلى الديون لسد العجز ورفعها الفائدة على الدولار لاستقطاب الأموال للاستثمار في الولايات المتحدة.
وفي الحالين (القروض ورفع الفائدة) ستدفع الطبقات الوسطى (وهي الأساس الذي يعتمد عليه الاقتصاد الأميركي) الثمن وستكون الخاسر الأكبر، الأمر الذي سيؤدي إلى أنواع مختلفة من الاضطرابات الداخلية (ارتفاع معدل الجريمة والسرقات) والفوضى الأمنية الناتجة عن تركز التوظيفات في قطاعات تخدم نزعة أيديولوجية شريرة تتحكم الآن بقرارات «البنتاغون».
هناك الكثير من التوقعات السلبية تنتظر أميركا في المستقبل في حال استمر طغيان الأفكار الشيطانية وتحكمها في قرارات المؤسسات السياسية. وهذه السلبيات لن تكون بعيدة عنها مختلف الاقتصادات في العالم التي ترتبط بحدود نسبية بمستوى النمو الأميركي وموقعه في التأثير على النمو العالمي.
الخطورة في نهج عسكرة الاقتصاد هي في نموه نحو المزيد من التطرف، الأمر الذي يؤسس لاحقا آليات داخلية من الصعب التحكم بها أو إعادة السيطرة عليها حتى في حال سقطت «كتلة الشر» في الانتخابات الرئاسية المنتظرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فهذا النوع من النهج العسكري (الاسبارطي) في حال تأسس اقتصاديا يصبح من الصعب على أي رئيس مقبل كسره نظرا إلى وجود كتل بشرية مستفيدة من التوظيفات الهائلة في الصناعات الحربية (عشرات آلاف المهندسين والعلماء والعمال). وهذه الكتلة في النهاية تصبح لها مصالح خاصة تدفع الإدارة نحو المزيد من الحروب لتلبية حاجات السوق أو تغذية آلات القتال أو تصريف التكدس الضخم في الانتاج العسكري.
والخطورة أيضا أن هذا النوع من النهج الاسبارطي سيؤدي إلى توليد اقتصاد أميركي مختلف عن ذاك الذي تعرف عليه العالم خلال القرن الماضي. فالتوظيف الحربي سينتج بدوره سلسلة آليات سياسية تغذيها أيديولوجيا عنصرية مسلحة بأحدث آلات الحرب. وهذا يعني أن أميركا لن تستطيع العيش من دون «حروب دائمة»، وذلك لسبب بسيط هو أن الحروب ستكون المورد الأساسي لاقتصادها والسوق الأساسية لتصريف منتوجاتها.
الخطر ليس بسيطا وما قاله وولفوفيتز في جلسة الكونغرس عن موازنة احتلال العراق في السنة المقبلة يشير إلى أن الولايات المتحدة تخطط للبقاء وليس للانسحاب. وحين يكون أسوأ وزير دفاع في تاريخ أميركا (دونالد رامسفيلد) هو أفضل وزير في تاريخ أميركا كما صرحت كوندليزا رايس (مستشارة بوش) يمكن أن نفهم الكثير من الاشارات الخطيرة التي تنتظر المنطقة (الشرق الأوسط) في حال جددت رئاسة بوش في انتخابات نوفمبر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 618 - السبت 15 مايو 2004م الموافق 25 ربيع الاول 1425هـ