يبدو أن التحركات والاجتماعات واللقاءات الثنائية والجماعية المتواصلة قد بدأت تؤتي ثمارها فيما يخص أزمة معتقلي العريضة، وأخذت الغيوم السوداء الكالحة تنقشع شيئا فشيئا، وان الغبار المتطاير والحاجب للرؤية قد رحل بعيدا عن جزرنا الجميلة، ليحل محله لون سماء الوطن وبحره، الذي يمتزج فيه الأزرق بالأخضر ويعود الوئام والمحبة والتواصل الحضاري بين النظام والمعارضة، التي وجدت في لغة الحوار بعقل راجح ومنطق سليم الطريق للخروج من نفق الأزمة الحالية.
ان الوطن، الذي نحبه جميعا هو فوق كل خلاف واختلاف، والحوار بدل التهديد هو السبيل إلى التفاهم والاتفاق على مختلف القضايا العالقة. هكذا نثبت مرة أخرى تحضرنا وعزمنا على إبعاد شبح الماضي الكئيب، وانه لا خوف على الوطن حينما نلتقي ونتناقش، ولا خوف على الوطن حين نختلف ونتحاور.
لقد حان الوقت للمسئولين في الدولة أن يعيدوا النظر في القوانين المقيّدة للحريات، التي صيغت في زمن انعدام الحريات وبعقلية لا ديمقراطية، في ظل حال الطوارئ وقانون أمن الدولة المقيت.
على المسئولين أن يعلنوا صراحة عن إلغاءها وصوغ قوانين وتشريعات تتناسب وعهد الديمقراطية ودولة المؤسسات، ولكي لا يخرج علينا بين حين وآخر مسئول هنا وهناك يتمسك بأطراف تلك القوانين السوداء يهدد ويتوعد بها الناس.
من جانب آخر يجب ألا ننسى تلك الابواق المغرضة والاقلام الانتهازية، التي تحاول اقتناص الفرص لتضخيم الأمور وإثارة المسئولين والسلطة واستعدائهم على المعارضة وجمعياتها السياسية، والتشكيك في صدقيتها وطروحاتها واتهامها بأنها تعمل على قلب نظام الحكم.
هذا هو أسلوب «الأقلام الانتهازية» كلّما لاحت في الأفق بوادر أزمة أو خلاف بين الاطراف. ان الكاتب الحقيقي الملتزم هو المؤمن بمبدأ الديمقراطية ومحب لوطنه وشعبه ويسخر مداده لقول كلمة الحق وليس اللجوء إلى اساليب تحريضية وقلب الحقائق وإلصاق تهم باطلة برجال مؤمنين بقضية الشعب والوطن، هؤلاء الرجال ممن خاضوا نضالا مريرا عبر أعوام طوال ودخلوا السجون وغرّبوا وعاشوا في المنافي، دون أن يتنازلوا عن مبادئهم وحقهم في التمسك بشعار وطن ديمقراطي حر وسعيد.
هذه الأقلام الرخيصة لم ولن تستطيع النيل من الشرفاء، وجميع محاولاتها مصيرها الفشل، والناس يعرفون أصحابها جيدا من الحبر الأصفر الذين يحررون به مقالاتهم. انهم بذاتهم أعداء للديمقراطية ويمكن الاطلاع على هويتهم اللاديمقراطية من خلال الرجوع إلى أعداد الصحف التي كانوا يكتبون فيها قبل مرحلة الاصلاح، منهم من كان يقول إن «الديمقراطية نهج غربي لا يناسبنا» ومنهم من كان يقلب الحقائق والوقائع ويدافع عن القوانين والاجراءات القمعية، سواء على صفحات الصحف أو حتى عبر شاشات تلفزيونية خليجية. هكذا أصبح اللاديمقراطي بالأمس ديمقراطيا اليوم!
هذه الأقلام المستهلكة لن تصل إلى مراميها، لأن الكل يعمل في النور، والقضايا والاعتراضات تطرح بشكل علني، والهدف هو الوصول إلى حلول بين الحكومة والمعارضة بروح من المسئولية الكاملة نحو الوطن والمواطنين.
وكما قلت في البداية، بدأت بوادر الحل تظهر في الأفق بتكاتف الجميع، وخاب أمل زمرة الطبالين (على حد قول المرحوم خليل عبدالكريم) ... هذه الزمرة التي همها الوحيد هو تسميم الجو العام بعوادم قاتلة وتأليب السلطة على الجمعيات السياسية ورموزها الوطنية، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يلحق الفشل بهؤلاء وبأقلامهم الهزيلة، انهم لخائبون ويكفيهم ذلك نفاقا ونفخا في بوق الولاء المزيف
العدد 617 - الجمعة 14 مايو 2004م الموافق 24 ربيع الاول 1425هـ