العدد 617 - الجمعة 14 مايو 2004م الموافق 24 ربيع الاول 1425هـ

المبادرة الأميركية... والعرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

على ذمة صحيفة «نيويورك تايمز» تنوي الإدارة الأميركية إعادة النظر في تلك المبادرة التي أطلقت عليها «الشرق الأوسط الكبير» وتمتد خريطتها من الهند إلى المغرب.

إعادة النظر هذه تأتي قبل ستة أسابيع من قمة الدول الثماني في سي ايلاند ويفترض أن تعطي رأيها في المبادرة الأميركية وتقرر ما إذا كانت منطقة «الشرق الأوسط» صالحة للتغيير والتنمية والديمقراطية. فالصحيفة تقول إن السبب الذي دفع إدارة البيت الأبيض إلى تغيير رأيها هو الفضائح التي تناقلتها الصحف والفضائيات ووكالات الأنباء عن التجاوزات والاهانات وممارسة التعذيب بحق سجناء «أبوغريب». فالصور والتصريحات والأخبار كانت كافية لإسكات الأصوات «المتأمركة» في المنطقة العربية، كذلك ردت بطريقة غير مباشرة على كل تلك الادعادات بأن واشنطن تريد حقا خير العرب والمسلمين وأنها تضحي من أجل تنميتهم وإصلاحهم.

إعادة النظر لا تعني أن الولايات المتحدة تخلت عن أطماعها وطموحاتها فهذه كما يبدو مسألة مختلفة عن المبادرة. فالمبادرة كلام في كلام ويمكن تغيير مفرداتها وترتيب فقراتها وحذف بعض الفقرات وإضافة غيرها. المشكلة ليست في الكلام و«بيع الحكي» كما يقال بالعامية. المشكلة في الاطماع وكيف يمكن إدارة علاقات المصالح لضمان استمرار النهب والسيطرة.

إعادة النظر الأميركية لا تعني الاقلاع عن المبادرة بل تدوير نصوصها وترتيب فقراتها حتى تتناسب مع رؤى «الاتحاد الأوروبي» والدول الصناعية الثماني (جي 8). فهذه الدول، مضافة إلى دول الاتحاد، وجدت في المبادرة الأميركية ثغرات وأخطاء ومعلومات قاصرة واستنتاجات بنيت على أرقام تنقصها الدقة ومعادلات غير صحيحة. فهناك الكثير من الملاحظات التي قدمتها الدول الأوروبية، وتحديدا فرنسا وألمانيا، على نصوص المبادرة وروحها. فالروحية التي كتبت بها تغلبت عليها نزعة الغلبة والتشفي وفيها مبالغة في تقدير دور «الخارج» في رسم عناصر التقدم من «الداخل».

هذه الملاحظات كما يبدو وصلت إلى الإدارة الأميركية وترافقت معها سلسلة انتكاسات للاحتلال في العراق معطوفا عليها تلك السياسة المنحازة لشارون التي أسهمت في إبطال دور واشنطن في المنطقة بعد أن كان «البيت الأبيض» يلعب دور الضابط لإيقاع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

إعادة النظر إذا ليس سببها انكشاف أكاذيب واشنطن عن حقوق الإنسان في سجن «أبوغريب» ولا نضج تفكير المؤسسات الأميركية في الشهور الأخيرة، ولا تأثير الملاحظات الأوروبية والدول الكبرى على بعض فقراتها الممتدة من الهند إلى المغرب... كل هذه الأمور أسهمت في تعديل وجهة السير لكن أساس الرغبة في التعديل هو ضعف المبادرة نفسها وعدم قدرتها على تحويل الكلام إلى فعل نظرا إلى فشل السياسة الأميركية في كسب الانصار والمريدين في المنطقة العربية. فالتيار «المتأمرك»، هزيل وسخيف ومنطقه متهالك وتنقصه المعرفة بآليات صنع القرار ووسائل التقدم التاريخية.

واشنطن حاولت من خلال مبادرتها الهزلية تغذية سياسة «المعارضة المتأمركة» من خلال ترويج بضاعتها الأيديولوجية بواسطة أقلام مأجورة أو من خلال مقالات وتحقيقات تمررها سواء بالنشر في الصحف أو بالنقل عبر محطات الإذاعة والتلفزة... ظنا منها أن هذا النوع من الخلط الفكري يمكن أن ينجح في كسب مشاعر الناس، في وقت لا تتردد الإدارة في إعلان انحيازها الكامل لسياسة شارون العدوانية وتبرر كل تصرفاته من قتل مجاني أو اغتيالات وسفح دماء الشعب الفلسطيني.

المبادرة لا تعني شيئا. ومشكلة الشارع العربي (والإسلامي عموما) ليست معها، بل مع السياسة الأميركية نفسها. تغيير السياسة الأميركية هو شرط كاف لتغيير المزاج العربي وكسب المشاعر العربية وتحويلها من السالب إلى الموجب. وغير هذا لا حظ له من النجاح في منطقة تعاني المرارة من أنظمتها ولكنها ليست مستعدة أن تتخلى عن القدس وثقافتها وهويتها من أجل «حفنة من الوعود».

تغيير السياسة أهم بكثير من إعادة النظر في المبادرة الأميركية. المبادرة ليست مشكلة بحد ذاتها وإنما المشكلة في قرارات اتخذتها واشنطن وجلبت الكوارث لفلسطين والمنطقة وأعطت «إسرائيل» المزيد من عناصر القوة لترفض كل مبادرات التعايش والسلم التي أطلقتها الدول العربية.

تريد واشنطن الآن تعديل مبادرتها ودمجها بالملاحظات الأوروبية لإعادة إخراجها بصيغة جديدة بالتفاهم مع دول الاتحاد في إطار قمة الثماني في سي ايلاند. هذه نقطة صغيرة في مسألة كبيرة. الكلام ليس المهم في الموضوع وليس هو لب المشكلة. المشكلة في أساسها في فلسطين وحين تعتدل السياسة الأميركية هناك، يمكن تعديل الأوضاع وتغيير الأنظمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 617 - الجمعة 14 مايو 2004م الموافق 24 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً