المجتمع البحريني لا يمكن أن يؤمن بالديمقراطية حتى يستقر معيشيا، ولا يمكن أن يقتنع بالبرلمان إلا إذا وجد للبرلمان أثرا اقتصاديا على حياته... قد يتفاعل معه عاما أو عامين لكنه ربما يفقد الأمل إذا بقي يلتقط الخبز من هنا أو هناك. وسؤالنا: من يتابع الحلقات المقطعة للبرلمان والتي تبث عبر القناة الفضائية المتخمة بأشرطة «الطبع واللصق»؟ الناس تبحث عن خبز، عن سكن... فمادامت جائعة فستكفر بكل شيء، بما في ذلك البرلمان. السلطة تقول: ادخلوا البرلمان وقوموا بالتصحيح من الداخل، وفي المقابل يتم فرض لائحة داخلية فُصِّلت بإتقان والبركة والعافية لإدارة الشئون القانونية ولوزير شئون مجلس الوزراء محمد المطوع. فاللائحة يعجز حتى الهواء عن النفاذ منها، وعلى رغم ذلك أصر بعض النواب على تعديلها وإذا بهم يفاجأون بالصخور المتحركة تحول دون ذلك.
إذن، ما الحل؟ هل يُراد للناس أن يكفروا بالتجربة؟ أنا مؤمن بأن الحياة السياسية لا تختصر في برلمان، والسياسي المحنك لا يجمّد نفسه في موقع ويترك بقية الآليات واقفة مربوطة بمصير آلية أخرى... يتحرك على المؤسسة الجامدة وفي الوقت ذاته يعمل على توظيف بقية المؤسسات من نقابات، من صحافة، من إعلام ومن مؤسسات مجتمع مدني، يتحرك في أعمال خيرية، يدخل الشباب في مشروعات اقتصادية، يعمل في الحصول على بعض الحصص سواء أكانت إسكانية أو تعليمية أو بعثات، أو... للمجتمع من دون أن ينسى خياره الأكبر، ذلك لأن الفقر يخنق المجتمع يوميا بقفازاته الحريرية.
ولكن يبقى السؤال: إلى متى تظل بحيرة البرلمان ساكنة؟ استجوابات مرت مرور الكرام... ووزير المالية بقي كما هو وربما يتم توزيره في أية تشكيلات وزارية، ومثله كثر. في الكويت يُعاب على بعض النواب أنهم نواب خدمات، وهنا للأسف لجنة الخدمات لم تلبِّ طلبا واحدا ولم تستمع الوزارات إلى أي طلب، كما صرح بعض النواب. إذن، ما الحل؟ لماذا الإصرار على الإمساك بجميع خيوط اللعبة؟ لماذا كل هذه العراقيل أمام اللائحة الداخلية؟ الناس ستتفاعل مع البرلمان والانتخابات المقبلة إذا وجدت في البرلمان تغيرا، وانعكس هذا التغيير على مستوى الرقابة والمحاسبة وكذلك على وضعها المعيشي. أعتقد أن الحكومة هي الجهة الوحيدة التي باستطاعتها أن تدعو الناس إلى قبول البرلمان وبطيب خاطر من دون التلويح لا إلى الجزرة ولا إلى العصا.
إلى اليوم البرلمان لم يقضم ولا وزيرا واحدا، ولم يقدم ولا مسئولا واحدا إلى المحاكمة، وهذا أمر غير مقبول. حتى الإصلاحات التي تمت سواء في سلك القضاء أو في توسع هامش حرية الصحافة أو ضخِّ مزيد من الأموال في ترميم بيوت المجتمع أو عمليات توظيف هنا أو هناك جاءت من خارج البرلمان ومن إصلاحيين خارج المؤسسة. يشهد للبرلمان قدرته على تحريك مياه التأمينات والتقاعد، وما كان ذلك ليكون لولا تحالفه مع الصحافة إذ ابتدأ بالصحافة فجعل الجميع أمام الأمر الواقع، وهذا ما لم يستطع تحقيقه ملف التجنيس. وكنا نتمنى من النائب جاسم عبدالعال أن يبدأ بملف التجنيس عبر الصحافة وإلا سيُصادر برلمانيا وخصوصا مع وجود نواب مستوزرين أشد من الوزير. وأمثال هؤلاء النواب ساعدوا في الإجهاز على البقية الباقية من النفس المتبقي للبرلمان الذي قد يُصاب بسكتة قلبية ذات يوم إذا بقيت هذه اللائحة المتخلفة على ما هي عليه وخصوصا أنها أُحكمت بطريقة لا يستطيع حتى الهواء النفاذ منها.
أعتقد أن تعزيز الانفراج السياسي في البحرين يكمن في حال عملت السلطة على إعطاء البرلمان مزيدا من القوة والصدقية حتى تقنع المجتمع بأن البرلمان يمثل حقيقة الخروج من أي مأزق، وهذا لا يكون إلا إذا أعطيت له مزيد من الصلاحيات وغيّرت هذه اللائحة الخرقاء التي جاءت وفق سباق «الاشتغال والانشغال»، والقوة الإضافية تكمن فيما إذا تغيّرت مستقبلا وجوه عدد كبير من النواب الذين بان ضعفهم في المنطق وفي الثقافة وكذلك في الصدقية، فقليل من النواب الوطنيين لا يمكن أن يعطي توازنا داخل البرلمان، كذلك مطرقة الظهراني هي الأخرى تحتاج إلى تبديل، ودعونا نبحث عن خيارات أفضل.
أعتقد أن الكرة في مرمى السلطة وهي بإمكانها إقناع المجتمع بالبرلمان من عدمه وخصوصا في ظل متغيرات المنطقة. نتمنى أن تكون هناك مبادرات جادة بين السلطة والمعارضة تعمل على ترطيب الأجواء والوصول إلى خيار مشترك لصالح الجميع، ونتمنى عودة أبنائنا المعتقلين، فلا يمكن أن نهنأ بالأعراس المقبلة في هذه الأشهر وأبناؤنا بعيدون عنا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ