العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

بوش خسر الخيار العسكري وليس أمامه إلاّ الإنسحاب

تقرير أميركي جديد:

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

تتصاعد داخل الحكومة الأميركية أزمة البحث عن حل لما اصطلح على تسميته في واشنطن «المستنقع العراقي» في أعقاب حال الغليان والاضطراب التي خلفتها فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين في معتقلات الاحتلال الأميركي في العراق، إذ لم يعد لدى حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش سوى خيارات محدودة خصوصا بعد رفض بوش تحميل وزير دفاعه دونالد روامسفيلد مسئولية ما جرى ويجري في العراق في وقت تشير الدلائل إلى تفاقم حال الضيق من الوضع العسكري للولايات المتحدة في العراق حتى من بين الجمهوريين الذين يخشون أن تكون الولايات المتحدة لا تفقد فقط جنودها بل شرفها في العراق.

ويقول تقرير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أن الرئيس بوش يستنفذ الخيارات بشأن العراق في وقت يعترف فيه محللون مقربون من البيت الأبيض أن آمال النجاح آخذة بالانحسار بسرعة. وتتحدث مصادر مطلعة داخل حكومة بوش عن الافتقار إلى تحديد الاتجاه وسيادة الإحساس بالجو المظلم واليأس التي اشتدت بنشر صور التعذيب والانتهاك الجنسي للأسرى العراقيين.

ومن بين أبرز الخيارات أمام البيت الأبيض اللجوء إلى الأمم المتحدة ودول أخرى للحصول على مساعدتها لإعادة «السلم والاستقرار» إلى العراق. ويدعو كثيرون في الكونغرس أيضا إلى تغييرات عسكرية في العراق لتحسين صورة الولايات المتحدة كدولة احتلال ذات قبضة ثقيلة وهو ما وافق عليه رامسفيلد في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنتا القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين يوم الجمعة. ولكن أكثر هذه الخيارات تطرفا هو سحب قوات الاحتلال الأميركي من العراق وهو ما تحاول حكومة بوش تجنب الخوض فيه علنا.

وتجاوز رامسفيلد بنجاح ضغوط الكونغرس يوم الجمعة إذ كان بعض كبار أعضائه من الديمقراطيين قد طالبوا باستقالته أو إقالته، معلنا أنه يتحمل مسئولية ما حدث في سجن أبوغريب، ولكنه لن يستقيل «لأسباب سياسية». وقالت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي «إن وزير دفاع البنتاغون في الخارج أصبح جزيرة بعيدة عن المحاسبة تتجاهل معاهدات جنيف وحلفائنا والإدراك العام». فيما نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية الرصينة موضوعها الرئيسي تحت عنوان من كلمتين «رامسفيلد، استقل» كما دعت افتتاحيات صحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» إلى استقالة رامسفيلد.

وعلى رغم قيام بوش بطرد وزير ماليته السابق بول أونيل في العام 2002 فإن طرد رامسفيلد البالغ من العمر 71 عاما قد يكون اعترافا كبيرا بوجود خطأ أكبر مما يريد بوش القيام به وهو خطأ سياسته إزاء العراق منذ البداية.

ولكن مساعدي البيت البيض غاضبون جدا بشأن معالجة البنتاغون لانتهاكات قوات الاحتلال الأميركي لحقوق الإنسان في العراق التي أصبح عنوانها البارز «سجن أبوغريب». فقد اشتكى كبير مستشاري بوش الاستراتيجيين كارل روف بصورة خاصة من أن بوش لم يكن على علم بهذه العواقب الضارة.

وجاء استجواب الكونغرس لرامسفيلد يوم الجمعة في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي العام إلى أن 39 في المئة فقط ينظرون بإيجابية إلى وزير الدفاع المتطرف في وقت كانت هذه النسبة تصل إلى 52 في المئة قبل عام مضى. فيما سبقت بيانات الغضب لأعضاء الكونغرس معظم الأعمال الأخرى. وينظر مجلس الشيوخ إلى أن يحذو حذو مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين في إصدار بيان إدانة امتهان حقوق الأسرى العراقيين. وقد اصطف متطرفو اليمين الجمهوري إلى جانب رامسفيلد وقال زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب توم ديلي «إنهم (الديمقراطيين) يريدون أن يفوزوا بالبيت الأبيض أكثر مما يريدون الفوز بالحرب، وأعداؤنا يعرفون ذلك». غير أن دفاع ديلي لم يمنع بعض كبار الجمهوريين من التعبير عن انزعاجهم إزاء تعنت رامسفيلد وقال العضو البارز في مجلس الشيوخ جون ماكين «إنني لا أفترض أن أبلغ الرئيس ما ينبغي عليه عمله ولكن من الواضح أن هناك الكثير من التوضيح الذي يتعين على رامسفيلد وآخرين أن يقدموه».

ويقوم البيت البيض باستكشاف سبل لإضفاء صدقية على التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال في سجن أبوغريب وأحد الخيارات هو منح مجلس سياسة الدفاع التابع لوزير الدفاع الأميركي الذي يترأسه حاليا النائب الجمهوري السابق تيليه فاولر في أعقاب استقالة رئيس السابق ريتشارد بيرل. كما يقوم الحاكم الأميركي العسكري - الإداري للعراق بول بريمر بإعداد قائمة كاملة بعدد الأسرى العراقيين وأماكن اعتقالهم. ويبدو أنه لا توجد مثل هذه القائمة، ويطالب وزير الخارجية الأميركي كولن باول بقائمة مماثلة بالنسبة إلى أفغانستان وأماكن اعتقالهم.

ويشير مسئول عسكري أميركي كبير إلى انتشار الفوضى في أوساط القيادة الأميركي في العراق بسبب العلاقة المعقدة والملتوية بين القيادات وقال «إنني لم أرَ قط مثل هذه السلسلة المعقدة من القيادة، إنها حال من الفوضى فقط» وأضاف «إذا كان هناك سبب لذلك فإن أحدا لم يوضحه قط لي».

ويحث ماكين الحكومة الأميركية على «هدم» سجن أبوغريب، وهو أمر يعتقد خبراء وناشطون في مجال حقوق الإنسان أنه محاولة لإزالة أثار جرائم الحرب الأميركية في العراق. فيما شبه النائب الديمقراطي البارز جون موتا سجن أبوغريب بمعسكرات الاعتقال النازية وقال إنه «ينبغي عليهم أن يدمروا ذلك السجن، وهذا سيؤثر على العالم العربي ويجعلنا نبدو جادين».

ويقول المحلل الأميركي جي دينمور إن غياب استراتيجية واضحة أدت إلى تغييرات متكررة وإلى تراجعات سياسية وهو ناجم عن معارك مستمرة بين وزارتي الخارجية والدفاع. ويلقي اللوم على مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض لعدم قيامهم بحل المعارك بين الأجهزة الأميركية المختلفة بشأن العراق.

ففي الوقت الذي امتنع فيه البنتاغون عن التعليق على تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي يقع في 24 صفحة الذي قال إن الانتهاكات للأسرى العراقيين كانت منظمة وترقى إلى مرقى «التعذيب»، فإن باول اتصل برئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جيكوب كيلينبيرغر في جنيف ليعده بأن الولايات المتحدة ستتعامل مع المشكلات في السجون العراقية وقال مساعدو باول إن وزارة الخارجية تصرفت بشأن التقرير الذي تلقته، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر «لقد أكدنا أن هذه الأنباء عممت في الحكومة الأميركية ونحن نعرف حقا أن الوزارات الحكومية الأخرى تلقت بعض هذه التوصيات مباشرة من الصليب الأحمر».

وقال مايكل روبين، المستشار السابق لسلطة الاحتلال الأميركي في العراق الذي عاد أخيرا من بغداد وهو من المحافظين الجدد الذين روجوا للحرب على العراق «إنهم أشبه بمن يقود طائرة وهو أعمى معتمدا على التعليمات فقط، إنهم يعترفون بالفوضى ولكن لا يوجد استمرارية في الرؤية وعندما يتفقون لا يكون هناك ثبات واستمرارية في التطبيق». وأضاف «إننا نشهد تحللا وانحدارا في السلطات في غياب استراتيجية واضحة، فالقادة المحليون يتخذون قرارات محلية لها مضاعفات عميقة على بقية أنحاء البلاد».

ووافق البيت الأبيض في أعقاب مباحثات مطولة لعدة ايام عما إذا كان باول ينبغي أن يذهب إلى المنطقة وخصوصا أنه يعرف عنه على نطاق واسع أنه لا يتحدث نيابة عن البيت الأبيض، وافق على أن يشارك في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي لرجال الأعمال والسياسيين في الأردن يوم الخامس عشر من الشهر الجاري بهدف إجراء اتصالات مع الزعماء العرب لاحتواء حال الغضب في المنطقة. وقتال باوتشر «إن سياستنا تحتاج إلى قبول وتأييد عامين، ويصعب الحصول على ذلك في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتلك الأمور الفظيعة التي رأيناها تحدث في السجن».

والقضية الكبرى وراء كل المناورات الدبلوماسية للبيت الأبيض هي ما إذا كان يتعين مضاعفة الجهود الدولية للحصول على مساعدة في العراق حتى لو كان ذلك يعني إضعاف السيطرة الأميركية على تشكيل حكومة مؤقتة جديدة هناك. ودعا المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري إلى تعيين مندوب سامي للإشراف على العراق.

ويرى مراقبون أن موقف بوش الدفاعي الجديد بشأن العراق قد يحد من مقدرته على مساعدة حليفه الإسرائيلي المتطرف ارييل شارون، إذ أظهر بوش خلال لقائه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يوم الخميس تقليله من أهمية دعمه لخطة شارون الانسحاب من غزة من دون أية مفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ووصل الضيق والاضطراب داخل الجمهوريين بشأن أسلوب بوش في العراق إلى حد أن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي بيل فريست قال في اجتماع خاص لرؤساء اللجنة الجمهورية في المجلس خلال الأسبوع الماضي إنه يريد أن يجلس مع بوش ويسأله أي شخصين أو ثلاثة في الحكومة يستطيعون أن يبلغوه ما الذي يحصل حقا في العراق، وقد أجابه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس ريتشارد لوغار قائلا «إنني لا أعتقد أنني أعرف من الذي يستطيع أن يفعل ذلك».

وعبر مورثا عن قلق الديمقراطيين ايضا إزاء استراتيجية بوش العسكرية في العراق إذ قال «إن الاتجاه يجب أن يتغير أو أنه لا يمكن كسب الحرب» وحذر الحكومة الأميركية بأنه يتعين عليها أن تلزم نفسها بتعبئة كاملة للقوات الأميركية لإعادة الهدوء وإقامة الديمقراطية في العراق أو الانسحاب من هناك كليا. وقال إنه كافح «طيلة ستة أسابيع من أجل أن يتبين شيء آخر يمكن عمله خلاف ذلك وكان الاستنتاج الوحيد الذي استطعت أن أتوصل إليه هو إما التعبئة أو الخروج». وقال «وحتى الآن فإنني أفضل الجانب المتعلق بالتعبئة. ترك العراق بصورة مفاجئة سيكون ضربة دولية مدمرة لنا» لكنه اعترف بأن النافذة ربما تكون أغلقت فعلا من الناحية السياسية داخل الولايات المتحدة وقال «إنني لا أعرف إن كان لدينا الإرادة للتعبئة الآن بعد أن تحول الرأي العام ضد الحرب» وقد أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من 25 في المئة من الأميركيين دعوا إلى سحب القوات الأميركية من العراق بأسرع وقت ممكن وأن 30 في المئة دعوا إلى عودتها في غضون 18 شهرا. ويخشى مؤيدو بوش بأن تؤدي ردود الفعل على جرائم الحرب الأميركية إلى تحويل الرأي العام ضد التورط الأميركي في العراق لدرجة أنه لن يكون قادرا على القبول بالخسائر التي تحتاج إليها لتحقيق انتصار عسكري وفرض النظام في العراق.

ويقول تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن التوتر السياسي قد تصاعد في العراق وأن الأمن قد تدهور لدرجة أن الولايات المتحدة لم يعد لديها حل عسكري لقتال الثوار، وقال إن الولايات المتحدة التي تفتقر إلى خيارات فعالة سوى تقديم الكثير من الجهود السياسية والمساعدات والأمن إلى عراقيين معتدلين بأسرع وقت ممكن لم يعد لديها حل عسكري، وهي تأمل بأن تستطيع الأمم المتحدة إيجاد نوع من الشرعية السياسية».

وتعليقا على الرفض والمقاومة المتزايدة للاحتلال الأميركي في أوساط العراقيين عموما قال روبين «أعتقد أننا نسأل أنفسنا الآن ما هو فن الممكن في المستقبل القريب... إننا لن نقوم ببناء ديمقراطية جيفرسون في العراق، وأن ما يتعين علينا عمله هو أن نضع وجها عراقيا بشأن الأمن». في إشارة إلى إعادة استخدام ضباط الجيش العراقي الذي كان بريمر قد حله في شهر مايو من العام الماضي

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً