العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

وزيرة العدل الألمانية السابقة توجه اتهامات شديدة اللهجة إلى إدارة بوش

لا تشك وزيرة العدل الألمانية الاتحادية السابقة هيرتا دويبلر غميلين في أن الكشف عن ممارسات تعذيب سجناء عراقيين بصورة سادية في سجن أبوغريب، واحتمال أن تكون جرت ممارسات مماثلة في سجون الجيش الأميركي في مناطق أخرى على أرض العراق وكذلك في أفغانستان وفي معسكر الاعتقال في جزيرة كوبا، غوانتنامو، قد وضعت علامة استفهام واضحة على صدقية الولايات المتحدة الأميركية خصوصا والعالم الغربي عموما، بشأن اعتزام الغرب العمل في نشر الديمقراطية ومبادئ الحرية واحترام حقوق الإنسان التي ينسبها إلى نفسه، في العالم العربي الإسلامي وخصوصا أن الرئيس الأميركي جورج بوش شن حملته العسكرية عقب هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول العام 2001 على أفغانستان والعراق في إطار الحرب المناهضة للإرهاب. بينما كان هدف الحملة في أفغانستان وضع نهاية لنظام الطالبان وتدمير قواعد تنظيم «القاعدة» فإن حرب العراق قامت على أدلة زائفة وافتراءات وأكاذيب.

كما أنها لم تحصل على موافقة المجتمع الدولي، الأمر الذي عرض الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا إلى انتقادات واسعة داخل العالم الغربي أيضا. ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انقسمت أوروبا على نفسها. ونشأت عراقيل جديدة في طريق حكومات الاتحاد الأوروبي الساعية للتوصل إلى سياسة خارجية مشتركة.

وقاد رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار والرئيس البولندي ألكسندر كاتزينيفسكي وكذلك رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني عملية انقسام أوروبية ووضع وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بصماته عليها وتحدث لأول مرة عن أوروبا قديمة لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إليها، متمثلة بألمانيا وفرنسا، بينما أشاد بأوروبا الجديدة المتمثلة بالدول التي أيدت الحرب وتسهم اليوم بدعم عسكري لقواته في العراق.

بينما المستشار الألماني غيرهارد شرودر ملتزم الصمت حيال جرائم الحرب التي ارتكبت في سجن أبوغريب وتحفظ نائبه ووزير الخارجية لعدم إثارة توتر جديد على مسار العلاقات بين برلين وواشنطن، تحاول أصوات من الحزبين الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، وشريكه حزب الخضر التعويض عما يفتقده المرء من تصريحات ناقدة لكبار المسئولين في الحكومة الألمانية. من أبرز هذه الأصوات هيرتا دويبلر غميلين التي استقالت من منصبها كوزيرة للعدل بعد نهاية الولاية الأولى لحكومة شرودر في سبتمبر 2002 بعد أن تعرضت لضغط من قبل المستشار بسبب توجيهها انتقادات شديدة اللهجة للرئيس بوش الذي كان يصر في ذلك الوقت على غزو العراق، وقالت إنه مولع بالحرب تماما مثلما كان هتلر. وأثار هذا التصريح توترا بالغا بين واشنطن وبرلين.

وكتبت هيرتا دويبلر غميلين مقالا في صحيفة «زود دويتشه» الليبرالية الصادرة بمدينة ميونيخ مطالبة بإحالة العسكريين الأميركيين الذين عذبوا سجناء عراقيين في سجن أبوغريب إلى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي/ هولندا التي أنشئت خصيصا لمحاكمة مجرمي الحرب. لكن الولايات المتحدة الأميركية سعت منذ البداية إلى عدم الاعتراف بهذه المحكمة ووقعت وما زالت تسعى الى التوقيع مع دول العالم على اتفاقات ثنائية تنص على عدم تسليم مواطنين أميركيين متهمين بارتكاب جرائم حرب إلى هذه المحكمة. وقالت وزيرة العدل الألمانية السابقة إن الاتهامات الجديدة والصور المروعة والفاضحة تزيد من حدة الانتقادات التي تتعرض لها القوة العظمى مشيرة إلى أن ممارسات التعذيب، لم تتم فقط في العراق ولكن في أفغانستان وغوانتنامو أيضا. وأشارت إلى تقارير سرية قالت إنها تؤكد بما لا يدعو للشك أن الرئيس الأميركي بوش تسلم منصبه في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2001 وخطة غزو العراق في جيبه وأن المحاولات التي قام بها لتبرير الحملة العسكرية على العراق من خلال الدعاية الملفقة لأسلحة الدمار الشامل وخرق حقوق الإنسان من قبل النظام العراقي السابق لم تكن أكثر من مجرد جزء من الدعاية المركزة والخطة الموضوعة. وقالت هيرتا دويبلر غميلين أن العنف اليومي في العراق يوضح ضعف وزن إدارة بوش في فرض النظام والأمن والاستقرار ونشر الديمقراطية ودولة القانون في العراق. واعتبرت وزيرة العدل الألمانية السابقة أن الصور المروعة الجديدة لممارسات تعذيب السجناء في سجن أبوغريب تكشف عن بعد جديد. وكتبت في مقالها تقول إن وزارة الدفاع الأميركية والمؤسسة العسكرية الأميركية كانتا على علم بممارسات التعذيب في سجن أبوغريب منذ أشهر، الأمر الذي يزيد الأمور سوءا على حد تعبيرها ويضعف الثقة بالمؤسسات العسكرية الأميركية محذرة الأميركيين من أن ممارسات التعذيب التي تم الكشف عنها تشكل خرقا واضحا لاتفاق جنيف المتعلق بأسرى الحرب وحقوق الإنسان. وقالت هيرتا دويبلر غميلين: لو كانت تمت حوادث تعذيب فردية لكان الأمر مشينا وكافيا للاحتجاج، لكن يبدو من المعلومات التي تخرج إلى العلن تدريجيا أن هناك على الأقل عشرين سجينا ماتوا نتيجة التعذيب السادي في سجون داخل العراق وأفغانستان. بالإضافة إلى مشاهد مصورة على الفيديو يظهر فيها ضباط أميركيون وهم يأمرون بإطلاق النار على عراقيين عزل ومضت في مقالها تقول: لا نعلم ماذا يخبئ الأميركيون واحتمال ظهور معلومات وصور جديدة لكن يمكن القول إن كل ما ظهر من معلومات حتى اليوم يكشف أن الولايات المتحدة خرجت عن القانون الدولي.

اعتبرت هيرتا دويبلر غميلين الاعتذار الذي صدر عن بوش وعن مجلس الشيوخ الأميركي خطوة في الاتجاه السليم لكنها في الوقت نفسه أعربت عن شكها بأن يسمح بوش جديا بإنزال عقاب صارم بالمسئولين عن ممارسات التعذيب وكتبت تقول إنها تتوقع صدور أحكام مخففة حالما تهدأ مشاعر الغضب نظرا لدواعي انتخابية ولاحظت أن سياسة بوش تقوم إلى حد كبير على هذا الأساس، لأنه يطمع بولاية ثانية في البيت الأبيض. وقالت الوزيرة السابقة إن بوش يعير أهمية كبيرة لميزان شعبيته عوضا عن أن الثقة بالقضاء الأميركي تعرضت إلى خدش من خلال حملات الاعتقال العشوائية التي جرت في أفغانستان وسوء معاملة المعتقلين في معسكر غوانتنامو إذ لا يخضع المعتقلون في هذا المكان إلى القانون الأميركي ولم يتم حتى اليوم منحهم صفة قانونية معينة. ودلت التجارب أيضا أن العسكريين الأميركان الذين مثلوا أمام محاكم عسكرية بعد اتهامهم بتعذيب سجناء خارج الأراضي الأميركية لم يحصلوا على عقاب قاس.

ماذا ينبغي على أوروبا أن تفعله حيال هذا الوضع؟ تجيب وزيرة العدل الألمانية السابقة في مقالها أنه لا ينبغي على أوروبا التزام السكينة وأن تقول إنها ليست معنية بل العكس هو الصحيح. ذلك انه بسبب موجة الشك وعدم ثقة العالم العربي بما يضمره العالم الغربي يتعين على أوروبا أن تعبر عن موقفها بوضوح حيال هذه الممارسات، ففي نهاية المطاف يدافع الغرب بكل ثقله عن حقوق الإنسان ويدعو العالم العربي الإسلامي بصورة خاصة إلى العمل بهذا المبدأ ثم يحصل في سجن أبو غريب ما لا ينبغي حصوله الأمر الذي يعطي الأصوليين تحديدا حجة لاتهام الغرب بالعمل بمعيار مزدوج ويزيد نفوذ الإسلاميين المتطرفين بصورة خاصة.

لهذا الأمر تجد هيرتا دويبلر غميلين ضرورة للكشف عن جميع المعلومات الموجودة على الأرض بشأن ممارسات تعذيب السجناء على أيدي الجنود الأميركيين وإحالة مرتكبي الجرائم المخلة بحقوق الإنسان إلى محكمة دولية لأن هذه القضية ليست شأنا يخص الولايات المتحدة وحدها وقالت إن الطريق الصحيح للكشف عن الحقائق بشأن ممارسات تعذيب السجناء العراقيين يجب أن تصبح من اختصاص محكمة الجزاء الدولية في لاهاي على رغم تجاهل الولايات المتحدة أهمية هذه المحكمة والهدف هنا صريح وجلي الوضوح إذ ان الولايات المتحدة ترفض الاعتراف بهذه المحكمة لأنها لا تريد أن أبناءها ذات يوم في قفص الاتهام. وطالبت هيرتا دويبلر غميلين الولايات المتحدة بمراجعة موقفها المعارض للاعتراف بمحكمة الجزاء الدولية وقالت إنه ينبغي عليها أن تصحح موقفها لأنه من واجب الديمقراطيات الغربية بصورة خاصة أن تعمل محكمة الجزاء الدولية في الدفاع عن حقوق الإنسان كما طالبت بتدخل الأمم المتحدة وتشكيل لجنة تحقيق دولية لتوضيح ما جرى في العراق وأفغانستان وغوانتنامو الأمر الذي سيسهل التوصل إلى مرتكبي جرائم حرب ومعاقبتهم وتعزيز القانون الدولي وتقويته كي يحفظ العالم الغربي ماء الوجه

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً