احتفت الأسرة المالكة في المغرب وباقي المغاربة بالذكرى الأولى لميلاد ولي العهد الأمير (مولاي الحسن) في الثامن من مايو/ أيار، الذي سيعد الملك 25 في سلسلة ملوك الدولة العلوية التي تحكم المغرب منذ القرن السابع عشر، والتي تعتبر الدولة السابعة في النظام الملكي الذي يحكم البلاد منذ 13 قرنا، والذي أصبح به المغرب ثاني أقدم نظام ملكي في العالم بعد النظام الإمبراطوري في اليابان.
اويعود حكم الأسرة العلوية التي تنحدر منها سلالة العاهل المغربي محمد السادس إلى العام 1631م، تاريخ تولي (مولاي علي الشريف) أول ملوك الدولة العلوية. وتأسست المملكة المغربية قبل أربعة عشر قرنا، أي منذ بداية الفتح الإسلامي للمغرب ومباشرة بعد سقوط دولة الأمويين على يد العباسيين إثر معركة فخ العام (132هـ/ 749م).
وتميزت مسيرة المملكة المغربية في ظل الأسرة العلوية بالاستمرارية وعدم الانقطاع، وتولى عرش المغرب خلال 368 عاما، أي منذ حكم مولاي علي الشريف حتى الملك الحالي محمد السادس 24 ملكا.
ولادة بعد أقل من عام من الزفاف
ولد للملك المغربي من حرمه الأميرة سلمى، ابنه البكر الأمير الحسن بن محمد في ساعة مبكرة من صباح الخميس الثامن من مايو/ أيار من العام الماضي، وأطلق عليه اسم مولاي الحسن تيمنا بوالده الراحل الملك الحسن الثاني. وبمقتضى الدستور المغربي سيحمل الأمير مولاي الحسن لقب ولي العهد.
وكان الملك محمد السادس البالغ من العمر حاليا 39 سنة قد اقترن بالأميرة سلمى بناني (25 سنة) يوم 21 مارس/ آذار من السنة الماضية ليحتفل بزفافه يوم 12 يوليو/ تموز من العام نفسه.
وبإعلان المولود الجديد وليا للعهد سيصبح ترتيبه داخل شجرة الملوك العلويين عند توليه الملك، الملك رقم 25 وسيصبح لقبه عندها الملك الحسن الثالث. وسبق لملكين كبيرين أن حملا اسم مولاي الحسن داخل السلالة الملكية العلوية أولهما: هو السلطان مولاي الحسن الأول الذي تولى ملك المغرب نهاية القرن الثامن عشر وقاد مسيرة التحديث التي أخرجت البلاد من سياسة الاحتراز من الغرب الصليبي التي انتهجها السلطان مولاي سليمان بداية القرن التاسع عشر. كما حمل الاسم نفسه الملك الراحل الذي حكم المغرب ما بين العام 1961 و1999.
الملك الراحل بين النقد والاستحضار
لم يكن اختيار الأسرة العلوية والعاهل المغربي محمد السادس اسم الحسن لابنه شيئا اعتباطيا وبرا بوالده فقط، بل كانت له دلالات سياسية بالأساس. فمنذ تولي محمد السادس الحكم في المغرب في يوليو 1999 ذهبت تحليلات سياسية وصحافية في المغرب إلى أن الملك الشاب، أو «ملك المستضعفين والفقراء» سيشكل قطيعة مع مرحلة الملك الراحل. وازدادت هذه القراءة قوة بعد إعلان القصر الملكي إعفاء وزير الداخلية السابق إدريس البصري من مهماته، والذي كان يعد أحد أهم رجالات والده الراحل. في هذه الأجواء بدأت مقالات في صحف مغربية تنتقد بشدة مرحلة حكم الحسن الثاني. في مقابل ذلك استحضر العاهل المغربي في خطابات وحوارات كثيرة صفات وخصال أبيه، وأصبحت أكثر حضورا مع تزايد الانتقادات لفترة حكمه. ليتوج هذا الأمر باختيار الملك محمد السادس اسم مولاي الحسن لولي عهده «تيمنا باسم جده الحسن الثاني» و«تعبيرا عن برور كبير لرجل كبير»، وفق تصريحات أحد المقربين من البلاط الملكي.
ويرتبط اسم «الحسن» في المغرب بالجد الأول للأسرة العلوية الحاكمة، أي الحسن الداخل الذي جاء إلى هذه البلاد قادما من بلدة ينبع التي تعتبر اليوم الميناء الرسمي للمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. والذي حط الرحال بصحراء تافلالت التي انطلق منها ابناه الأمير مولاي محمد - محمد الأول - ومولاي رشيد لتوحيد المناطق المغربية بعد سقوط حكم أسرة السعديين الشريفة وما واكبها من تزايد أطماع الدول المجاورة، الأتراك العثمانيين في الشرق على الحدود مع الجزائر، والاسبان والبرتغاليين شمالا والذين بدأوا فعلا في احتلال بعض الثغور المغربية. ومنذ قيام الدولة العلوية، قبل أكثر من ثلاثة قرون، تعاقب على حكمها ملكان حملا اسم «الحسن»: الأول ابن السلطان محمد الرابع، والثاني ابن الملك محمد الخامس.
عرش على صهوة جواده
عرف في حياته باسم السلطان مولاي الحسن، ولم يطلق عليه اسم الحسن الأول حتى تولى حفيده الحسن الثاني الحكم. حكم المغرب على امتداد 21 سنة، وكان واحدا من سلاطين الأسرة العلوية العظام. وحسب المؤرخ المغربي عبدالهادي التازي إن الحسن الأول تكون في منطقة سوس الأمازيغية الجنوبية، إذ أسند إليه والده ولايتها وهو ولي للعهد. وتولى الحسن الأول الحكم يوم 11 سبتمبر/ أيلول 1873، واستطاع أن يحارب على عدة جبهات، فمن جهة واجه المطامع الاستعمارية الأوروبية، التي اتضحت جليا منذ العام 1880 مع مؤتمر مدريد، وتجسدت في زحف القوات الفرنسية التي كانت تحتل الجزائر، للهيمنة على مناطق من الصحراء الشرقية. وعلى الصعيد الداخلي واجه الحسن الأول فلول العملاء والحركات التي كان الاستعمار يغذيها تمهيدا لتحقيق أهدافه، وجعل المغرب يحافظ على استقلاله في زمن المد الاستعماري الذي كان يكتسح أجزاء كبيرة من القارة الإفريقية. كما جاهد لبناء المغرب العصري.
وعلى رغم أن عاصمة البلاد كانت آنذاك مدينة فاس، فقد اشتهر الحسن الأول بأنه السلطان الذي كان عرشه على صهوة جواده، لكثرة تنقلاته بين أرجاء البلاد، حتى أنه توفي العام 1894 وهو في طريق عودته من رحلة إلى المنطقة الشمالية الشرقية للمغرب.
الملك باني السدود
اختار الملك الراحل محمد الخامس لابنه البكر اسم مولاي الحسن تيمنا بجده الحسن الأول. فجاء، كما تمنى والده، فكان من أطولهم عمرا في سدة الحكم إذ قضى 37 سنة على رأس الدولة المغربية بعد السلطان مولاي إسماعيل الذي حكم 57 سنة ويقال إنه كان له 1000 ولد وبنت.
اشتهر الملك الحسن الثاني بمجموعة من الألقاب من بينها «موحد البلاد»، إذ استرجع المحافظات الصحراوية التي كانت خاضعة للحماية الإسبانية، إلى الوطن الأم، من خلال تنظيم المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1975. كما عرف باسم الملك الباني لقيامه بإرساء دعائم الدولة المغربية الحديثة. ففي عهده أصبح للمغرب دستور وبرلمان ومجالس بلدية. كما رسخ مبدأ التعددية الحزبية والنقابية العمالية. ومن الألقاب التي كان يعتز بها لقب «باني السدود» لاهتمامه المبكر بأهمية الماء وتخطيط سياسة بناء السدود الكبرى التي تجاوزت المئة سد. وفي عهده تم تعميم التعليم وتعريبه، وإحداث عشرات الجامعات، ووسع الملك الراحل دائرة الإشعاع المغربي، فرعى مجموعة من مؤتمرات القمة العربية والإسلامية، وكان من المدافعين عن الوحدة الإفريقية. كما كانت له مكانة خاصة على الصعيد العالمي جسدها العدد الضخم من قادة الدول الذين رافقوا جنازته إلى مثواه الأخير يوم الاثنين الأخير من شهر يونيو/ حزيران العام 1999م
العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ