لمهرجان الإسكافي دلالة رمزية مكتوبة بلغة زيتية، تنضح بالمعاني الجميلة وهي بحق تختصر كل الأبعاد الإنسانية التي جسدها الإنسان. وكأنها رسالة من الله للناس بعد عتمة السياسة وتكرس الاحقاد، ان الكون جميل وان إضاءة السلام هي أفضل ما يملكه الإنسان، ولابد ان تزداد - وان هفتت ذات لحظة - أمام قساوة العتمة.
كل زاوية من زوايا المهرجان تشدك إلى الابداع، فالصور تحكي عن الحب كي يولد من الألم، وكيف تُزرع الابتسامة في وسط العتمة؟ وكيف تُزرع الزهرة بين أنياب الشر؟ باختصار شديد إنه ينتزع منك الثناء، ويفرض عليك المدح ويأخذك إلى بحور صودرت شواطئها فأصبحت بلا مرافئ، وبلا موج ولا بحور. ويأخذك الخيال بعيدا فتتسمر نديما بكأس معتقة لنسمات تشظت ذات يومٍ وها هي تبعث للعالم رسالة سلام، تأخذك مخيلتك بعيدا وتقول عجبي من هذه الانسانية كيف استطاعت ان تجمع كل هؤلاء على رغم فوارق العمر والتوجه والثقافة؟ هذا يوزع الشاي منثورا بين الفنانين كمقهى عراقي عتيق، وطفل يزرع ذاته ليقول أنا هنا مبدع زرعتني الأرض وها أنذا انتج، فهذا الطفل الموهوب ذو الثلاثة عشر ربيعا يجب ان تسلط عليه الأضواء، ويجب ان يتبنى من قبل مؤسسة. وأتمنى على الجمهور البحريني ان يحضر المهرجان ليرى اللوحات وخصوصا لوحة هذا الطفل المبدع، فهو معجزة فنية بحرينية. فقبل أشهر رأيت رسمة له في جمعية المرسم الحسيني يصور تلاقي العذراء بالزهراء وكانت قمة في الابداع.
المعرض شارك فيه الصغير والكبير، فهناك رجل مسن (الحاج عباس مرهون 67 عاما) جاء إلى المعرض متمنيا على مسئولي المعرض السماح له بالمشاركة، فهو فنان قديم أخذ بمجامع قلبه حب الاستاذ، ومن بين الفنانين فنانات من الجالية الهندية، وفنانة أخرى رسمت رسمة جميلة من الجالية المصرية والبقية من الفنانين جاءوا من مدنهم وقراهم ليشاركوا في هذا المهرجان الكبير. وهناك خصصت جدارية للأطفال من سن الخامسة حتى الثانية عشرة، وحضرت شخصيات أجنبية منها امرأة بريطانية جاءت على رسلها وأبدت اعجابها بهذا المستوى الراقي للفن وغيرها كثير. هناك عروض مختلفة على القائمين على هذه الفعالية والكل شهد بوطنيتها وبرسالتها الجميلة، فالمهرجان كان عبارة عن لوحة كبيرة متكاملة صنعها الجميع من أعضاء اللجنة بما بذلوه من تعب وجهد للتحضير، ومن الفنانين. وكل فنان يأخذ بناصية الآخر لروعة لوحته، بعضهم مدرسون وآخر استوقفتني لوحته سألته: أين تعمل؟ فقال: أعمل حارسا في مدرسة. حزنت ولكني على يقين ان هناك من سيتلقف مثل هذه الطاقة ليؤمن لها استقرارها الوظيفي.
والشكر موصول الى مطعم «الابراج» الذي له اليد الطولى في الأعمال الخيرية، وكذلك «هامبل» للأصباغ وأدوات الرسم التي وفّرت كل هذه الأصباغ الجميلة التي تحوّلت إلى معان وطنية للتراث والجمال، وكذلك شركة «بتلكو» لمساهمتها اللامحدودة في الدعم المالي، ولا ننسى «جلف ميديا انترناشيونال» لدعمها واكتملت الصورة بمساهمة «الوسط» في الدعم الاعلامي وفي التغطية ومطبعة الاتحاد التي ساهمت بالدعم أيضا والشكر أيضا لبعض مؤسسات الدولة كوزارة الداخلية وإدارة المرور لتجشمهما عناء التنظيم وتوفير مستلزمات الأمان.
الناس هذه المرة شعروا بتفاعل هذه المؤسسات الرسمية، ونتمنى تفاعل بقية المؤسسات. ونأمل من وزير الأشغال - وهو أهل لذلك - ان تقوم وزارته الكريمة برصف مكان الجدار الكبير التي رسمت عليه اللوحات حفظا لهذا الجدار الوطني الكبير من الغبار.
ختاما نقول: مبروك للبحرين على هذا المهرجان وللسنابس خصوصا وللقائمين لاسيما صاحب الفكرة ورئيس المهرجان محمد ميرزا فهو رجل مبدع وشاب وطني طموح، نتمنى استنساخه في بقية القرى لنحظى بهكذا ابداعات، ولاشك ان في القرى أمثاله كثر، ونتمنى ان تتحول هذه الفكرة الى ثقافة عامة في كل القرى لتتلون جدرانياتها. طبعا هناك نقطة مهمة هي الحضور النسوي في المعرض، فهناك عدد من النساء البحرينيات ايضا رسمن رسومات جميلة وهذه إضاءة من الاضاءات الكبيرة في المهرجان. المهرجان بدأ بحرينيا ونتمنى ان يصبح اقليميا وعالميا وليس بعيدا ان يتم ذلك مادام هناك ابداع واحتضان رسمي. انه مهرجان ناجح بكل المقاييس، فنتمنى على الجمهور البحريني بمؤسساته ورجاله دعم هذا المشروع الوليد ولنعمل جميعا لرفع راية الوطن خفاقة في كل مكان ليبقى شعب البحرين دائما سباقا لعمل الخير نحو مزيد لترسيخ المشروعات الوطنية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 615 - الأربعاء 12 مايو 2004م الموافق 22 ربيع الاول 1425هـ