راقب الإندونيسيون، مثلهم مثل بقية العالم، حوادث غزة الأخيرة بالكثير من القلق والاهتمام. شارك الآلاف من الإندونيسيين في المظاهرات ونشاطات جمع التبرعات. كانت تلك النشاطات إلى حد ما أساليب مهمة لإظهار عدم الموافقة على الأعمال الإسرائيلية العسكرية ونادوا بوقف فوري لإطلاق النار وتوفير المعونة الإنسانية.
ولكن هل ساعدت هذه الأعمال على إيجاد حل مستدام والتوجه إلى الأمام؟
قد يكون الوقت قد حان للتفكير بأمثلة هؤلاء الذين يستمرون بالعمل من أجل السلام، حتى عندما يبدو ذلك غاية في الصعوبة.
على رغم كونهما على بعد أجيال في السن، عمل إليك وهو إسرائيلي وآرثر وهو أميركي لإحلال السلام في فلسطين و»إسرائيل».
تعرّفْتُ على إليك عندما شارك الحضور قصته في تجمّع الشباب الثامن عشر في المؤتمر العالمي حول الأديان من أجل السلام في كيوتو باليابان قبل بضعة سنوات. توفيت أخت إليك في تفجير قنبلة قبل عشرة سنوات في سوبرماركت في القدس.
أغلق إليك غرفته على نفسه لمدة تزيد على أسبوعين بعد الحادث وهو يحارب مجموعة كبيرة من الأفكار التي لا تنتهي. أراد الانتقام من المفجّرين، ولكنه كان يعلم أن الانتقام لا يؤدي إلا إلى المزيد من الانتقام والمزيد من المعاناة.
قرر أن يحرر نفسه من دائرة الانتقام المفرغة، وانضم إلى منظمة تدعى «المحاربون من أجل السلام»، وهي مجموعة من المحاربيين الإسرائيليين والفلسطينيين السابقين الذين يؤمنون أن النزاع الدموي المستمر لن يُحلّ أبدا بالبنادق. تكافح المجموعة، التي حصلت على جائزة Common Ground العام 2007 من أجل تعايش سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما بالنسبة إلى آرثر، فقد قابلته عندما زار إندونيسيا السنة الماضية لإطلاق كتابه «مذكرات الخليل».
وآرت، كما يناديه الجميع، عضو في فرق صنع السلام المسيحية، وهي مجموعة مسيحية تعمل على تحويل النزاع القاتل من خلال التدخل غير المسلح واللاعنفي. وقد كرّس حياته من أجل السلام. انضم آرثر عندما كان شابا إلى مارتن لوثر كنج الابن، في حركة الحريات المدنية الأميركية وشارك في الحركة المعارضة للحرب أثناء حرب فييتنام في ستينيات القرن الماضي.
يستخدم آرت اللا عنف لمواجهة المواقف العنفية، ووقف مرة بشجاعة أمام دبابة إسرائيلية تتحرك باتجاهه، توقفت على بعد سنتمرات منه قبل أن تعود أدراجها. وقد تعرض للسجن مرات كثيرة وحضر مظاهرات بصق أناس عليه أثناءها لأنهم يعتقدون أنه من أعداء السامية ويقف إلى جانب الفلسطينيين.
يُعتبر إليك وآرت بالنسبة لي إلهاما بسبب إلتزامهما المستمر بالحركة اللا عنفية. وهما يثبتان كذلك أن جميع الإسرائيليين والأميركيين لا يوافقون على السياسات الخارجية لحكوماتهم، وهذا ما يذكّر أنه من غير العملي أو الواقعي أن يعمم المرء على جميع اليهود أو الأميركيين، دعك من الرد على العداء الموجه إليهم.
ولكن أكثر من ذلك، يثبت إليك وآرت القدرة على عبور حدود مجموعتاهما واعتناق روح التضامن الإنساني. لو شجعتنا هذه الروح على جمع التبرعات للفلسطينيين فسنتمكن كذلك من أن نمد يدنا للإسرائيليين، إذا وعندما يطلبون ذلك.
ولأننا نرغب برؤية مستقبل أفضل لأخوتنا وأخواتنا في فلسطين، فإننا بحاجة لأن ننتقل إلى ما وراء منطقة الراحة التي نتمتع بها لاعتناق حل بنّاء أكثر اتساعا لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. لذلك يجب ألا تكون مبادراتنا مقتصرة على الدعم العام للفلسطينيين، بل وللعمل مع مجموعات أخرى تخوض حملات من أجل سلام مستدام في كلا البلدين، حتى يصبحوا من التيار الرئيس ويتمكنوا من تشكيل المفاوضات من أجل السلام.
بمعنى آخر، نحن بحاجة للمزيد من الـ «إليك» و»آرثر» من إندونيسيا ومن أنحاء العالم للمساعدة على حل هذا النزاع.
* المدير التنفيذي لمعهد معاريف في جاكرتا، وهو منظمة غير ربحية تعمل من أجل إصلاح الفكر الإسلامي ورعاية الحوار بين الأديان والثقافات، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2364 - الثلثاء 24 فبراير 2009م الموافق 28 صفر 1430هـ