آخر التطورات الفلسطينية، حديث فلسطيني عن وفد من حركة فتح التي يقودها الرئيس ياسر عرفات يستعد لزيارة دمشق لاجراء مباحثات فلسطينية - فلسطينية، وأخرى فلسطينية - سورية، وقبله جرت اتصالات بين القيادة الفلسطينية في الداخل ومعارضيها في الخارج وخصوصا الجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح الانتفاضة، وكلتاهما تتخذ من دمشق مقرا لها، إذ تمت اتصالات هاتفية بين عدد من قادة تلك التنظيمات مع الرئيس عرفات، جرى خلالها تأكيد اللحمة الفلسطينية في مواجهة سياسة «اسرائيل» ضد الفلسطينيين وتهديداتها للرئيس عرفات والقيادات الفلسطينية.واذا كان من دلالة لزيارة وفد فتح الى دمشق، وللاتصالات بين الرئيس عرفات ومعارضيه، فانها تندرج في إطار إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في مواجهة الظروف التي تحيط به وسط التطورات الدراماتيكية التي تشهدها الاراضي الفلسطينية في ضوء تصاعد القمع الاسرائيلي والذي شمل تصفية قيادات من الصف الاول كان منها اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وقائد حماس في قطاع غزة عبدالعزيز الرنتيسي، وسط تهديدات بتصفية قادة آخرين بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي يعيش في الخارج.
واهمية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، انها تتم في ظل مشروع اسرائيلي، يقوده رئيس الحكومة شارون للانسحاب من غزة من طرف واحد، وهو مشروع وجد له صدى لدى الادارة الأميركية وجهات أوروبية ودولية، تقف عاجزة اليوم عن التأثير في مجرى الصراع العربي - الاسرائيلي في وضع يشبه واقع الحال العربي في جانبه العملي.
وترتيب البيت الفلسطيني نشاط تشاركت فيه قيادات وتنظيمات واوساط شعبية فلسطينية على مدى الأشهر الأخيرة الماضية، ووجد دعما مباشرا وغير مباشر من اطراف عربية على نحو ما فعلت مصر وسورية سواء في رعاية مباحثات التنظيمات الفلسطينية التي تمت في القاهرة في الأشهر الاخيرة، او في ترطيب الاجواء بين السلطة الفلسطينية والجماعات التي تعارضها في دمشق.
واذا كانت ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني، كامنة اصلا في طبيعة القضية الفلسطينية وتطوراتها، فلاشك في ان مايحيط بالقضي
ة الفلسطينية حاليا يمثل أسبابا إضافية لخطوات بهذا الاتجاه، ما جعل التحركات الفلسطينية تتكامل وتتناغم من كل الاتجاهات: من جانب السلطة والتنظيمات ومن جانب الفعاليات السياسية والاجتماعية ومن جانب الشارع الفلسطيني بما فيه تجمعات الفلسطينيين في الشتات. وقد انصبت الجهود في اربع اتجاهات:
الاول اعادة اللحمة للوضع السياسي الفلسطيني بعامته بحيث يجمع الداخل مع الشتات الفلسطيني، وفي هذا الإطار تواصلت حوارات الداخل بين الفصائل والجماعات الفلسطينية ولاسيما حوارات غزة، وجاءت في الإطار ذاته زيارة عدد من الموفدين الفلسطينين الى البلدان العربية ولاسيما سورية، التي تضم احد اكبر التجمعات الفلسطينية في الشتات وفيها الجماعات التي تعارض الرئيس عرفات، وقد زارها حديثا موفدون من الرئيس عرفات ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي، وكلهم اداروا حوارات فلسطينية وسورية في دمشق مهدت للاتصالات التي جرت بين قادة المعارضة الفلسطينية وعرفات.
والامر الثاني الذي ركزت عليه التحركات الفلسطينية الاخيرة، هو صوغ برنامج وطني يأخذ في الاعتبار واقع العمل الوطني الفلسطيني وظروفه واحتياجاته في ظل ما يحيط به من تحديات تفرضها سياسة «اسرائيل» حيال الفلسطينيين وقياداتهم والدعم الأميركي لسياسة شارون على نحو ما عبرت عنه مواقف الرئيس الأميركي التي اعلنها خلال زيارة شارون لواشنطن، ولاسيما شطبه حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وضرورة الانسحاب الاسرائيلي الى خط الرابع من يونيو/حزيران.
اما الامر الثالث الذي ينظم التحركات الفلسطينية، فهو إحداث تغييرات في الداخل الفلسطيني، تضمن مشاركة أوسع في صنع القرار والرقابة على تنفيذه، وتحقيق اصلاح شامل في بنية وأداء السلطة ومنظمة التحرير ومؤسساتهما المختلفة.
والامر الرابع في محتوى التحركات الفلسطينية، هو محاولة إحداث تبدلات في البيئة الاقليمية للقضية الفلسطينية بالعمل على تطوير العلاقات وخصوصا مع البلدان العربية ذات العلاقات الخاصة بالموضوع الفلسطيني ومنها مصر وسورية. وفي هذا الإطار حصل انفتاح في علاقات السلطة والجماعات الفلسطينية ومنها حركتا حماس والجهاد مع مصر، وظهرت تباشير لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح التي يقودها عرفات مع سورية.
وتشكل الموضوعات الاربعة المفاصل الرئيسية في اعادة ترتيب البيت الفلسطيني لتقويته في مواجهة التحديات الماثلة في ابعادها الداخلية والاقليمية والدولية، وقد تحققت في هذه الموضوعات خطوات عملية يمكن اعتبارها نجاحات على الطريق، غير ان الاهم هو الاستمرار في هذا النهج، واعتباره خيارا مبدئيا في الحياة والسياسة الفلسطينية، وليس مجرد حاجة تكتيكية راهنة
العدد 613 - الإثنين 10 مايو 2004م الموافق 20 ربيع الاول 1425هـ