العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ

عيد ميلاد «الريس»

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الثقافة مسئولية، لذلك يجب أن نكون مسئولين عن هذه الثقافة، وكيف نوظفها في خدمة المجتمع والوطن؟ أن تبارك الخير وترفض التسلط.

والوضع العربي لم تخلقه إلا أصابع عربية ساهمت الثقافة المدجنة في خلقه وعملت على تزوير الواقع. في اليوم الذي يقوم فيه ستالين بقتل المفكرين والمثقفين يستقبل بالتصفيق الحار ويشكر لهذا الإنجاز العظيم. كثيرا ما نبكي على العراق ونذرف دموعا على أطلاله، تلك الأطلال التي كان يبكيها عميد الشعر العربي محمد مهدي الجواهري في قصيدته «يا دجلة الخير يا أم البساتين»، كان الجواهري يشتاق الى نقيق الضفادع لأنها تذكره بأيام جميلة قضاها في العراق، وهو القائل: «أرأيتم شاعرا يتغزل بنقيق الضفادع؟»، وعلى محطات الغربة سقط البياتي ذات يوم وهو يقول: «لقد أصبح المنفى لنا وطنا والوطن لنا منفى»، وما بين هاذين هطلت دمعة ثورية من شاعر النضال مظفر النواب وهو يصرخ على الشهامة العربية أين ذهبت. يخاطب الله حاسدا تلك الطيور التي تنعم بأمن الوطن:

سبحانك كلَ الأشياء رضيتُ سوى الذلِ

وأن يكون قلبي في قفص في بيت السلطان

وقنعت بكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير

ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان

وتعود إليها وأنا مازلت أطيرُ فهذا الوطنُ

الممتد من البحرِ الى البحرِ سجون متلاصقة

سجان يمسك سجانا.

هكذا كان يعيش العراقيون في المنفى في حين كان المثقفون يصنعون صنم الاستبداد محشوا بتمر القصائد وبجوز مرصع كأنه خروف محشو... كانوا يلمعون القبح، يجمّلون التمثال فكانت النتيجة محتلا يعبث بالعراق الى حد لا يمكن وصفه.

المثقف المقاول هو الذي قاد العراق الى ما وصل إليه وها هو العبث والدجل الأميركي يظهران حقيقة الدمقرطة المزعومة. والسؤال: من يصنع الطغاة؟ ومازلنا نتذكر كيف مارس الشعراء دورا قبيحا في صناعة الاستبداد؟ فالشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الذي راح يصف عيون القائد في ذكرى ميلاده (28/4) بعيون الأطفال وبأن صدام حفيد علي «ع» وأن نسبه يعود الى آل البيت:

يا أمـــــــير الستين ستين نجما

جمعتْها مجرةُ عصماء

فبدت واحــــــدا بســــــتين ضوءا

فتأمــــل كيف استقام البهاء

أتـــــرى لو جمعت ستين جيلا

كائنات ما كانت الأسماء

إلى أن يقول:

ليروا أننا ورثنا عليا

وحسينا إيمانهم والدماء

إرثنا نحن ألف عام وأهلي

لحلال استشهادهم أوفياء

هكذا يندلق الشعر منسابا «لحفيد الحسين» الذي منع شيعة الحسين من الاحتفال بعاشوراء طوال فترة حكمه. في عيد ذكرى القائد تدق الطبول وتوزع نياشين النصر وتوزع الأوسمة. هذا العام مر العيد والعراقيون منشغلون بلقمة الخبز مغموسة في إناء الحزن مبللة بدموع الحاضر المر الذي يختزن في داخله، وجع الماضي مبشرا بحمل مخيف للمستقبل، فكان سجن أبوغريب العراقي لا يختلف كثيرا عن سجن أبوغريب الأميركي، فكلاهما قرأ كتاب «الأمير» لميكافيلي في وصيته للحاكم بأن يلبس جلد النمر وأنياب الأسد ودهاء الثعلب للحكم. ذلك هو تاريخ العرب، ألم تسمع قصيدة ابن هاني الأندلسي وهو يصرخ في الخليفة الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

فكأنما أنت النبي محمد

وكأنما أنصارك الأنصار

وترن قصائد مقعرة لتماسيح بشرية أتقنت فن حرق البخور على حساب الحرية وكرامة الإنسان:

لن تنحني راية هُزت بكفك يا صدام

لن تنحني والليلِ والفلقِ

مادمت بيرق زهو فوق هامتنا

فماء وجه العراقيين لم يُرقِ

وكانت النهاية ألا يستقر العراق من الحجاج الى حيث المغول ومن حيث المغول الى صدام الى الأميركان

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً