العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ

فضيحة أميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قصص التعذيب والروايات المنقولة عن الاهانات وغيرها من أخبار تتحدث عن توجيهات عسكرية عليا تأمر بإذلال الإنسان العراقي هي بداية الطريق لكشف الفضائح. إنها البداية وكل بداية لها نهاية حتى لو طال الطريق.

الإدارة الأميركية اليوم في وضع محرج وهي على رغم ذلك لا تتردد في تبرير أفعالها الشنيعة بالقول إنها «لاتزال أفضل من صدام حسين». وأحيانا تقول «إن صدام كان يفعل الأمر نفسه». والبعض يقول «إن صدام لم يعتذر بينما رامسفيلد اعتذر»... وهكذا إلى آخر الألحان والأنغام.

التذرع بالسيئ أمر سيئ. لأن مثل هذا النوع من التبرير يحوّل السيئ إلى مثال أو هو النموذج الذي يبدأ منه القياس. وهذا أسوأ الأمور التي يمكن تصور حصولها في العراق أو في أي بلد في العالم. «إسرائيل» مثلا من أسوأ الأمثلة. وهي لا تتردد في تبرير الاحتلال وتغطية أفعالها الشنيعة ضد الشعب الفلسطيني في تكرار القول «إن هتلر فعل باليهود في أوروبا الشيء نفسه» أو إنها «أفضل من النازية حتى الآن لأنها لم تستخدم المحارق البشرية كما فعلت الفاشية في أوروبا». تبرير الشيء بالشيء نفسه حجة ناقصة وهو ذريعة يراد بها تغطية الخطأ الأساس الذي ارتكب من أجله فعل الجريمة.

الاحتجاج بصدام لارتكاب الجرائم والاهانات ليس حجة تعمل لمصلحة الاحتلال الأميركي، وليس ذريعة يمكن الاخذ بها لتبرير السلوك المشين ضد دولة قررت احتلال شعب لغايات كبرى لا صلة لها بنظام الاستبداد.

قصص التعذيب تتحمل مسئوليتها إدارة الاحتلال مهما حاولت التنصل من المسألة. وحتى لو أثبتت التحقيقات أن تلك الصور الشنيعة قامت بتمثيلها مجموعات خارجة على القانون أو تصرفت من دون أوامر وتوجيهات عليا فإن اتفاقات جنيف واضحة في هذا الشأن وهي «أن الاحتلال يتحمل مسئولية كل ما يقع في البلد المحتل». وحتى تلك الأعمال التي تنسب عادة من دون أدلة دامغة إلى مجموعات إرهابية أو إجرامية أو سياسية فإن اتفاقات جنيف واضحة في هذا الشأن: الاحتلال هو المسئول.

يقال الآن إن هناك مجموعات من المرتزقة زحفت إلى العراق بطلبات توظيف أعلنت عنها شركات خاصة ومستقلة تُعنى بشئون الحمايات والحراسة والمراقبة الأمنية. كذلك يقال إن إدارة الاحتلال شجعت وسهلت توظيف الآلاف من المرتزقة لمساعدتها في تنفيذ «المهمات القذرة»... حتى هذه تعتبر إدارة الاحتلال مسئولة عنها ماديا ومعنويا. فاتفاقات جنيف واضحة في هذا الشأن فهي تحمل الدولة المحتلة مسئولية كل ما يقع في البلد المحتل. فأميركا مسئولة مباشرة ومداورة عن كل ما حصل في العراق من خراب ودمار وحرق ونهب واغتيالات وتفخيخ سيارات وتفجير سفارات ومراكز دينية. المسئولية واضحة حتى لو قامت بها أجهزة أمنية سرية ومجموعات من المرتزقة أو منظمات إرهابية.

هذا من ناحية المبدأ. أما في التفصيلات المنقولة أو المصورة أو الواردة في التحقيقات والشهادات فإن المسئوليات المادية مشتركة، ولكن المتهم الفعلي لايزال القوة التي قررت الحرب والاحتلال. وفي الميدان العراقي أميركا قررت الحرب مخالفة بذلك كل القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن. القانون أيضا واضح في هذه المسألة وهو قاطع في بنوده حتى لا تتنصل القوى الكبرى من مسئولية قراراتها وأفعالها. فالقانون يميز بين المنفذ والفاعل. فالمنفذ قد يكون من أية جنسية، ولكن الفاعل أو المحرض على الفعل هو جهة معنوية واحدة: المحتل.

قوات الاحتلال الأميركية تتحمل مسئولية كل ما حصل في العراق من أفعال شنيعة وجرائم مشبوهة لأنها في النهاية الطرف الذي تسبب بطريقة غير مباشرة في تسهيل هذه الأمور وهي أيضا الجهة المستفيدة من كل ما جرى حتى لو تضررت سمعتها الدولية. فالقانون أيضا يبحث في تحقيقاته عن المستفيد من الاضطراب ومن له مصلحة في إثارة القلاقل والفوضى ونهب الثروات وقتل العلماء.

إنها البداية، ولاتزال النهاية بعيدة. فالاحتلال فاز عسكريا ولكنه فشل سياسيا ولم ينجح في تثبيت بدائل محلية تحمل التركة الثقيلة التي سيخلفها بعد انسحابه الجزئي في 30 يونيو/ حزيران المقبل.

«مجلس الحكم الانتقالي» يمر في حال قلق وبدأ الاضطراب يضرب صفوفه؛ فالمجلس في النهاية يتحمل مسئولية تزيين الاحتلال للولايات المتحدة وهو كان واجهة الحرب وأحد أدوات السيطرة. فالمجلس الآن يعيش فترة محنة، وأخذ رجاله يستقيلون تهربا من المسئولية. إنها البداية والطريق إلى النهاية لابد أن ينتهي. والأمور أخيرا تقاس بنتائجها. والنتيجة حتى الآن تختصر بكلمة: فضيحة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً