اعلان وزارة الخارجية أمس ان مملكة البحرين ستنضم قريبا إلى العهدين الدوليين من أفضل أخبار هذا العام. فالحديث عن العهدين (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) يرتبط بالانتاج الفكري الإنساني الذي أبدع نصوصا دستورية لحماية حقوق المواطنين. والأمم المتحدة قامت على أساس «ميثاق الأمم المتحدة» الصادر في العام 1945، وهذا الميثاق يتعامل مع كل دولة على أساس أنها «عضو»، ولا يجيز التدخل في الشئون الداخلية للعضو مادام ملتزما بميثاق الامم المتحدة. إلا أن الميثاق الدولي ليس شاملا للمواطنين، ولذلك صدر «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» في العام 1948 لكيلا يسمح لأية دولة عضو في الأمم المتحدة أن تنتهك حقوق مواطنيها وفي الوقت ذاته تحمي نفسها لانه «لايجوز التدخل في الشئون الداخلية».
«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» إعلان عام، والالتزام به من «الناحية الأدبية» لا يمكن اثباته، ولذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1966 اعتماد عهدين يفصلان الحقوق وعرضتهما للتوقيع على أن يبدأ العمل بهما في العام 1976 لفسح المجال للدول الداخلة في العهدين لترتيب أوضاعها التشريعية بما يتناسب مع العهدين. ومنذ العام 1976 أصبح العهدان أهم أركان القانون الدولي المعني بحقوق الإنسان لاحتوائه مواد تفصيلية وآليات محددة لمراقبة تنفيذ متطلبات العهدين.
تم تقسيم الحقوق إلى نوعين ... النوع الأول: حقوق الإنسان الفردية (تخص كل فرد بصفته الشخصية)، وتولى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الجانب. النوع الثاني: حقوق الإنسان الجماعية (تخص كل فرد بصفته عضوا في جماعة)، وتولى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذا الجانب.
دستور البحرين للعام 1973 هو نسخة من دستور الكويت الذي صدر العام 1962 ويحتوي على فكر الخمسينات، بينما يحتوي العهدان على فكر لاحق أكثر تطورا تم إقراره في 1966 وأصبح نافذا العام 1976. العهدان يشترطان على الدول الموقعة التعهد باحترام الحقوق وبكفالتها لجميع صنوفها الفردية (المدنية والسياسية)، وصنوفها الجماعية (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). كما ينص العهدان على أن «تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، ان كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا اعمال الحقوق المعترف بها بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام العهدين، ما يكون ضروريا من تدابير...».
الفكر السياسي القائم على أساس العهدين يعتبر (من الناحية العالمية) أكثر تطورا من غيره القائم على أسس أخرى، والعهدان نوقشا كثيرا في جميع المحافل الدولية وهناك مطارحات ومقاربات إنسانية وإسلامية وفكرية أخرى دعمت الطرح المتطور في العهدين.
التحدي الذي سيلاقيه العهدان يختلف نوعيا عن التحدي الحالي، فالحكومة (ممثلة بوزارة الخارجية في هذه الحال) ربما هي أكثر استعدادا لاستيعاب العهدين من الجهات الحقوقية ومن البرلمان وحتى من المعارضة. فالبرلمانيين مازالوا بعيدين عن هذا الطرح، كما أن المعارضة انشغلت في قضايا دستورية مهمة ولكنها ليست أهم من العهدين. فلو خُيِّر إنسان بين ما هو متطور وله شرعية دولية واضحة وبين ما هو أقل تطورا وله شرعية وطنية تاريخية فإن الخيار سيكون للأول ذلك لان خيار الشرعية الدولية الواضحة أفضل. هذا ليس كلاما من دون دعم، وإنما حقيقة يمكن تفحصها من خلال قراءة دستور 1973 وثم قراءة العهدين، والمقارنة بينهما. إضافة إلى حقيقة أن دستور 2002 صدر على أساس ميثاق العمل الوطني الذي تعهد الالتزام بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ويأتي في مقدمة تلك المواثيق العهدان الدوليان الخاصان بـ «الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ