في الوقت الذي يسعى الجميع إلى إيجاد حل لمشكلة الاعتقالات التي طالت عددا من المواطنين الذين أوقفتهم النيابة بتهمة لا تتناسب مع ما كانوا يقومون به، فإن واجبنا الوطني يحتم علينا النظر إلى خيارات استراتيجية أوسع من الخيارات الحالية، علي أمل ان تكون مقبولة للجميع.
العريضة الدستورية الحالية تطالب بإعادة إجراء التعديلات بحسب ما نص عليه دستور 1973، وهذا باب مغلق بالكامل ولن تقبل به الجهات الرسمية. وحاليا فإن دستور البحرين هو الدستور الذي صدر في 14 فبراير/ شباط 2002 وهو الذي يطبق على الأرض، وهو الآن «حكم القانون» و«حكم الواقع» في آن واحد.
المطالبة بالترتيب الدستوري السابق أصبحت خارج إطار العمل السياسي المقبول به رسميا، وعلى هذا الأساس تم تطبيق قوانين في الحقبة السابقة ضد الجمعيات الأربع. الجمعيات الأربع أوضحت موقفها بصورة كاملة، وتوقيع العريضة من عدم توقيعها لن يؤثر كثيرا لأن حجم كل جمعية معروف والقوى السياسية واضحة الاتجاهات والقدرات.
بينما الجدل السياسي يدور حول دستور 1973 ودستور 2002 كانت هناك نشاطات سياسية أخرى لا تقل أهمية، إن لم تكن أكثر أهمية. ففي الشهر الماضي شاركت كل من وزارتي الخارجية والداخلية في ورشتين مهمتين نتج عنهما موافقة الوزارتين المبدئية على الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان. والأهم من ذلك قيام الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان باقتراح خطة وطنية لتدشين تشريعات وآليات لتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. المشاركون من وزارة الخارجية أبدوا استعدادهم لمساندة الخطة الوطنية وهو ما شجع الجمعية على التصريح بأنها ستتوجه الى جلالة الملك لكي تحصل على الدعم مباشرة. وهذا سيتطلب تعاون البرلمان لتشريع قانون يعتمد العهدين ويعتمد آليات (ربما هيئة مستقلة لحقوق الإنسان شبيهة بهيئة تنظيم الاتصالات) للتأكد أن جميع بنود العهدين يتم تطبيقهما في البحرين.
العهدان الدوليان أصبحا نافذين دوليا منذ العام 1976 ويحتويان على بنود تفصيلية والتزامات تتعهد بها الدولة الموقعة، محصلتها النهائية هي ضمان حقوق المواطنين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الدستور - أي دستور - يحتوي على مواد تنظم هيكلية الدولة ورمزيتها وسلطاتها التي تنتهي الى تحديد واجبات وحقوق المواطن، وما يفعله العهدان هو التطرق للحقوق. فبغض النظر عن هيكلية الدولة ورمزيتها فإن «جوهر الحقوق» يجب أن يلتزم بـ «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» بحسب التفصيل الدقيق المطروح في العهدين.
التوقيع على العهدين ينقل البحرين إلى مستوى أفضل من دستور 1973، لأنهما أصبحا نافذين في 1976 (بعد إصدار دستور 1973) ويحتويان على الضوابط الدولية المعترف بها وهي أفضل بعشرات المرات من محتويات دستور 1973 (بالنسبة لحقوق المواطنين).
وهذا يعني أن دستور 2002 (وهو دستور مملكة البحرين والمرجع الأساسي للحياة العامة حاليا) سيصبح أفضل من دستور 1973 بعد اعتماد العهدين. واعتماد العهدين ليس فيه اذلال لأي طرف، فالجميع منتصر ... الجهات الرسمية لأنها بادرت بالأمر، والحركة المطلبية لأن العهدين هما أفضل ما تتمناه أية حركة مشابهة في العالم.
هل نفتح أعيننا قليلا لنرى أن الديمقراطية بامكانها ان تعطينا حلولا لينتصر فيها الجميع على المد يين المتوسط والبعيد؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 611 - السبت 08 مايو 2004م الموافق 18 ربيع الاول 1425هـ