العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ

الحريات النقابية وآثارها على التنمية الاجتماعية

الحوار الفاعل والشراكة الحقيقية

جميل حميدان comments [at] alwasatnews.com

وزير العمل والتنمية الاجتماعية

للتحدث عن الآثار الاجتماعية للحريات النقابية انطلاقا من الشعار الذي يتبناه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين (نحو حوار اجتماعي فاعل وشراكة اجتماعية حقيقية) يجعلنا نتناول هذا الموضوع من جانبين:

الأول: ويختص بالآثار الاجتماعية لنقابات عمالية حرة ومستقلة وفاعلة في مجال تكريس القيم والحريات العامة وتدعيم مسيرة الإصلاح والتطور، باعتبار هذه النقابات تضم الشريحة الأكبر والأقوى في المجتمع والأقرب والأكثر قدرة على تجسيد وممارسة هذا الدور المهم في الوقت الراهن. ومن أبرز مظاهر هذا الدور:

الممارسة الفعلية لحق التجمع، والحق في التعبير والمشاركة وبما يرفع الوصاية التي اعتادت الأطراف الأخرى ممارستها على العمال ومعالجة أساليب التهميش والإقصاء التي عانت منها الحركة العمالية لعقود طويلة، فنحن أمام فرصة سانحة لممارسة الشراكة الحقيقية في صنع القرار والعمل على تدعيم قدرات الاتحاد لممارسة فعلية وواقعية لدوره من جهة، ولجعله يسهم أيضا في تطبيع هذه الحقوق في المجتمع، على أساس أن التوافق الوطني لا يتم من دون مؤسسات منظمة وقادرة على العمل والمشاركة.

الممارسة الفعلية للنهج الديمقراطي في العمل من خلال إمكان تقديم نموذج رائد لكيفية تأسيس وممارسة اللعبة الديمقراطية التي تعني ألا تكون مصلحة طرف على حساب مصلحة الطرف الآخر، أو أن يقرر طرف مصير طرف آخر، ذلك أن الدفاع المشروع عن الحقوق والمصالح لا يعني إغفال حقوق الفرقاء الآخرين، الأمر الذي يؤسس لحوار اجتماعي متكافئ يقوم على أساس المحافظة على مصالح الجميع.

وهي ممارسة فعلية كذلك لكسر مفاهيم التعالي والتسلط والانفراد بالقرار، وهي أيضا ممارسة فعلية للبرهنة على التفكير المبدع لدى العمال وإثبات جدارتهم وقدرتهم على إيجاد الحلول المناسبة للمعضلات التي تعوق العمل والانتاج وتحقيق نجاحات في مواقع العمل تعود بالنفع على أصحاب العمل والعمال معا. والعمل النقابي المستقل والموجه إلى صيانة حقوق ومصالح العمال من دون تمييز عرقي أو مذهبي أو سياسي، يستظل به جميع عمال البحرين من مختلف الأطياف، هو ممارسة مهمة وواعية لتكريس وحدة المجتمع ومحاربة الانقسام والطائفية، وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق إلا إذا عملنا على عدم تجيير العمل النقابي لأية جهة كانت.

وعليه فإن العمل النقابي الصحيح والمستقل هو علامة من علامات الصحة والعافية في المجتمع وغيابه هو علامة من علامات الاعتلال ومقدمة لاختلالات واحتقانات لابد وأن تلقي بظلالها على المجتمع ككل. وبمعنى آخر وبمراعاة النقاط التي ذكرناها نجد أن نقابات عمالية قوية ومنظمات أصحاب عمل قوية أيضا هي صمام أمان لتحقيق السلم الاجتماعي وفرصة لا تعادلها فرصة لممارسة وتطبيع القيم والممارسات الديمقراطية وتحقيق المصالح العليا في المجتمع.

وإذا كان هذا هو تأثير النقابات العمالية الإيجابي المفترض على المجتمع، فيجب ألا ننسى أن مجتمعا عانى طويلا من الحرمان من الحقوق العامة وافتقد حق التعبير والمشاركة المسئولة لفترات طويلة من الزمن لن يعدم الوسيلة لوضع العراقيل أمام مسيرة الحركة العمالية، فإضافة إلى الصعوبات والعراقيل التي ستواجه العمل النقابي في بدايته من قبل الأطراف الأخرى، فإن من المرجح أن يقوم المجتمع نفسه بعرقلة مسيرة العمل بفرض اتجاهاته وسلوكياته السابقة بما فيها من محاولات لجذب العمل وجره وتجييره لمنزلقات الطائفية أو الحزبية أو المصلحة الخاصة، وهو أمر لابد أن يعمل حسابه.

مكافحة البطالة وتحسين الأجور

الجانب الثاني: يتعلق بآثار العمل النقابي على أوضاع العمال وأفراد أسرهم، إذ تتمثل أبرز أهداف العمل النقابي كما هو معروف في مكافحة البطالة وتحسين مستوى الأجور وتحسين ظروف العمل وحماية العمال من الفصل التعسفي وهي القضايا الأكثر تأثيرا على المجتمع.

ويخطئ من يعتقد أن أهدافا مثل هذه يمكن أن تتحقق بالشعارات أو بالأمنيات أو بالاكتفاء بالتأييد والإشادة بما تفعله السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية بالقبول أو الاعتراض على ما تفعله الأطراف الأخرى، إذ إن التصدي الجاد لمعالجة هذه القضايا الحيوية يعني القيام بمسئوليات ومهمات وتحمل أعباء ثقيلة ومضنية تتطلب الكثير من الخبرة والتخصص والعمل الجاد والمسئول والتعاون البناء مع جميع الأطراف ذات العلاقة لسبر غور مختلف الأبعاد والجوانب المتصلة بالموضوع. فمعالجة ظاهرة البطالة مثلا لا تقف عند ايجاد اعمال ووظائف لعدد محدود من العاطلين عن العمل، وانما بجعل سوق العمل قادرة على توفير فرص عمل مناسبة ولائقة للجيل الحالي والأجيال المقبلة، بيسر وسهولة، اذ لا يتحقق ذلك إلا من خلال العمل على تحقيق توازن المصالح وتكاملها وبما يوفره من اجواء ثقة وتعاون تعزز الاستقرار في العلاقات العمالية، اذ لا يتم ذلك إلا من خلال الاهتمام بمعالجة جملة من المسائل ومنها:

- التعمق في الدراسات التي تبحث في الوسائل والآليات الكفيلة بتحسين الأجور وحوافز التوظيف، وعدم التسرع في تبني الحلول من دون الوقوف على مختلف الآثار والانعكاسات المحتملة.

- مراجعة وتقويم أسس وضوابط منح تراخيص العمل للأجانب ووضع التصورات والمقترحات التي يمكن تبنيها والترويج لها لايجاد صمامات أمان لوقف التدفق الهائل وغير المبرر للعمالة الأجنبية.

- تحسين وتطوير كفاءة الأجهزة ومكاتب التوظيف، والعمل الجاد لجعلها تقوم بوظائفها وتقدم خدماتها بصورة لائقة وفاعلة للمواطنين العاطلين عن العمل.

- المطالبة بايجاد وتشغيل نظام قوي لمعلومات سوق العمل، يمكن ان ينتج إحصاءات موثوقة عن أوضاع البطالة المتغيرة، ويعالج الخلل الناتج عن تضارب الأرقام أو النقص الملحوظ فيها.

- المساندة الفعلية للبرامج المتعلقة بتشغيل المواطنين في اطار برامج الاحلال والتوطين وضمان حسن واستمرارية التقيد بتنفيذ وتقييم وتطوير هذه البرامج.

- العمل على زيادة كفاءة برامج التدريب الفني والتعليم الفني للوفاء بمتطلبات سوق العمل.

- مراجعة وتطوير تشريعات العمل وفقا للمتغيرات والمستجدات في سوق العمل، وعلى صعيد مستويات العمل الدولية.

- مساندة برامج زيادة فرص العمل للنساء وبرامج التدريب والتأهيل الخاصة بهن، ومكافحة التمييز ضد المرأة في محيط العمل.

وغيرها الكثير من العناصر الأخرى الفنية والاجرائية التي تشكل فيما بينها حزمة من المهمات والمسئوليات التي لابد من الغوص في تفصيلاتها وأبعادها، والتعمق في دراستها، ليكون توجهنا للاسهام في التصدي لهذه المشكلات مؤثرا ومثمرا ونموذجا يحتذى للأطراف الأخرى المعنية بهذه المشكلات.

ان تأكيد هذا التوجه، لا يقلل من جهود ومبادرات عمال البحرين في التصدي الجاد لمشكلات سوق العمل، ولكنه تأكيد التحدي الكبير والشاق الذي يواجهه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وهو في بداية انطلاقته لتتويج نضالاته ومكاسبه السابقة بمنجزات مهمة على صعيد الواقع الاجتماعي بعد ان استكمل مراحل التأسيس ومن خلال البدء بوضع التقديرات الصائبة لمستويات ومهمات لا يمكن التساهل فيها أبدا

إقرأ أيضا لـ "جميل حميدان"

العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً