العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ

لطمة لبوش غير المسئول ولشارون المغرور

متابعات في الصحف الأميركية والعبرية

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

أشاعت الصحف الأميركية أجواء قلقة على صدقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على خلفية رفض تكتل «ليكود» خطة ارييل شارون الأحادية الجانب لفك الارتباط مع الفلسطينيين، حين اعتبرت أن الفشل الذي مني به شارون هو أيضا فشل للرئيس بوش. وسخر كثيرون من أنه سيكون من الصعب جدا أن يحاول الأخير من جديد، أن يروج لخطة جديدة لإنقاذ حياة الأطفال والجنود الإسرائيليين! ولاحظ المعلقون الأميركيون أن «ليكود» وجه كذلك صفعة للرئيس بوش الذي قدم لخطة شارون «رسالة الضمانات» التي تجرد الفلسطينيين من كثير من حقوقهم.

وهذا كان لسان حال المعلقين الإسرائيليين أيضا، فالغرور وانعدام المسئولية عند شارون لا يتوقفان هنا (طرح الاستفتاء على حزبه) إذ جند الرئيس الأميركي لتأييد علني لخطة إشكالية من ناحية علاقات أميركا مع العالم العربي. والآن يقف الرجل القوي في العالم، بوش، بشعور من الخجل والعار... لكن المعلقين الإسرائيليين أضافوا إلى نعي بوش، نعي مستقبل شارون، ولم يوفر بعض المعلقين، الدولة العبرية من هذا المصير، فنتائج الاستفتاء ليست هزيمة فردية بل هي ضربة للنظام السياسي في «إسرائيل» كما تقول افتتاحية «هآرتس».

وكتبت «لوس أنجلس تايمز» على صفحتها الأولى، أن التصويت الإسرائيلي (ضد خطة الانسحاب من غزة) يوجه أيضا ضربة إلى السياسة الأميركية. وتوقفت «واشنطن بوست» عند هزيمة شارون، في استفتاء ليكود، عن خطته لفك الارتباط. ورأت أنه في حين أن تداعيات الهزيمة لم تظهر بعد في «إسرائيل»، إلاّ انها بدت واضحة جدا على الإدارة الأميركية، فرهان بوش على شارون، تداعى بعد أقل من أسبوعين من إعلانه مذكرة بأن بوش، قام بتنازلات كبيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلي عبر إدخال تغيير جذري على الموقف الأميركي من التسوية النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووضع موضع الشبهة قدرة الولايات المتحدة على لعب دور الوسيط لحل نهائي للنزاع بين الطرفين. وأكدت أن الولايات المتحدة، تلقت بعد صدور نتائج استفتاء ليكود، ضربة قوية أثرت بشكل أساسي على موقفها في الشرق الأوسط وخصوصا أنها لن تستطيع التراجع عن وعودها لشارون. واستدركت «واشنطن بوست»، أن ثمة أملا في أن يسير شارون قدما في خطته لاسيما في حال إجراء استفتاء عام نظرا إلى أن غالبية «الشعب الإسرائيلي» تؤيد الخطة.

وأجرت الصحيفة الأميركية في هذا الصدد مقارنة بين شارون وسلفه إيهود باراك، فلاحظت أن شارون مثله مثل باراك، وضع مبادرة جريئة ولكن «مريضة» من أجل إحداث اختراق على مستوى السلام مع الفلسطينيين. مشيرة إلى ان الرجلين حاولا تفادي بذل الجهود من أجل بناء توافق في الداخل الإسرائيلي من خلال اللجوء إلى دعم واشنطن. وأوضحت أن باراك، أقنع كلينتون بعقد قمة «كامب ديفيد» الفاشلة التي تبعتها ثلاث سنوات من سفك الدماء وبالتالي انهيار مسار «أوسلو» للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وإذ لفتت إلى أنه ليس من الواضح بعد ما هي مفاعيل سقوط مبادرة شارون في استفتاء «ليكود»، أكدت أن تفادي حصول تداعيات كتلك التي شهدتها الساحة الفلسطينية الإسرائيلية خلال ولاية باراك، يكمن في سياسة أميركية ناجحة لا تتوقف حصرا على المراهنة على رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين يراهنون من جهتهم على رمايات بعيدة المدى على حد تعبيرها.

وتوقف غلن كيسلر في «واشنطن بوست» عند هزيمة شارون، مستهلا مقاله بالقول إن الرئيس بوش، أقدم على رهان دبلوماسي كبير حين وافق على خطة شارون وقدم لـ «إسرائيل» تنازلات رئيسية في ما يتعلق بالاتفاق النهائي. واعتبر أن رفض «ليكود» خطة شارون، وضع صدقية الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط في حال مزر جدا، مشيرا إلى أن نتائج الاستطلاع ظهرت في وقت تعرضت صورة الولايات المتحدة للضرر بعد نشر صور جنودها يمارسون التعذيب بحق معتقلين عراقيين. ونقل كيسلر عن مصادر حكومية أن الإدارة الأميركية حاولت خلال الأيام الماضية أن تسلط الضوء على قلقها تجاه الفلسطينيين لاسيما حيال كيفية إحلال الاستقرار الاقتصادي في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، لافتا إلى أن مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس، ناشدت بعض الدول العربية المساهمة ماليا لمساندة السلطة الفلسطينية.

وتناوبت الصحف العبرية على شرح هزيمة شارون النكراء على حد إجماع المعلقين الإسرائيليين، وأشار عكيفا إلدار في «هآرتس» إلى أن آخر المعلومات التي صدرت عن مكتب شارون، تفيد أنه سيذهب إلى واشنطن، للمشاركة في المؤتمر السنوي للجنة الأميركية الإسرائيلية للشئون العامة، وفي يده خطة جديدة، غير أن إلدار أكد أنه من غير الممكن أن «تعيش» الخطة الجديدة أكثر من أسبوعين، وهما فترة انعقاد المؤتمر، كما أنه سيكون من الصعب جدا أن يحاول الرئيس بوش أن يروج خطة جديدة لإنقاذ حياة الأطفال والجنود الإسرائيليين. وأضاف أنه على رغم أن بوش سيتعرض لضغوط من اليمين المسيحي واليهودي فإنه سيكون من الصعب عليه أن يلحق رسالة ضماناته إلى شارون، بخطة إسرائيلية أخرى. ويسخر إلدار قائلا إن بوش لن يكون قادرا على الإعلان أن الخطة الجديدة لفك الارتباط هي جزء آخر من «خريطة الطريق»!

وخلص إلدار، إلى أن أمام شارون، اليوم حلين إما العودة إلى التفاوض مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أو الترنح وهو في طريقه إلى نهاية حياته المهنية. ولفت إلدار، إلى أنها ليست المرة الأولى التي يرفع فيها أعضاء «ليكود» الشال الزهري عن وجه التكتل على حد تعبيره، مذكرا أنه في العام 2002 قررت اللجنة المركزية في التكتل، بغالبية ساحقة أن ما من دولة فلسطينية ستنشأ غرب نهر الأردن، مستنتجا ان الحزب الذي يرفض حل الدولتين والمفاوضات الثنائية والخطوات الأحادية ليس شريك سلام. وشدد على أنه بغض النظر عن كون شارون، أسير المستشار القضائي مناحيم مزوز، أو المواقف المحافظة من جانب أعضاء حزبه، فإن تكتل «ليكود» أثبت بالمحصلة أنه ليس شريك سلام. وتناولت «هآرتس» في افتتاحيتها نتائج الاستفتاء، فرأت في هذه النتائج هزة للنظام السياسي في «إسرائيل». ولفتت إلى أن شارون ارتكب خطأ فادحا حين وضع القرار بشأن خطته بين يدي مجموعة قليلة من الأشخاص غالبا ما تتخذ مواقف يمينية متطرفة. ولاحظت أن لا دعم الوزراء نتنياهو وليفنات وشالوم، للخطة ولا دعم الرئيس الأميركي نفسه لها، ساعدا شارون في الحصول على دعم غالبية أعضاء التكتل لهذه الخطة، مشددة على أن نتائج الاستفتاء ليست هزيمة فردية بل هي ضربة للنظام السياسي في الدولة العبرية.

وأوضحت أن الوزير عوزي لاندو، الذي كان من أبرز معارضي خطة الفصل، اتصل بشارون، وطالبه البقاء في منصبه وحماية الائتلاف الحكومي، إضافة إلى أن هزيمة شارون في استفتاء «ليكود» لم تجرده من ثقة الكنيست.

ورأت «يديعوت أحرونوت» أن شارون لم ينجح في فصل «إسرائيل» عن غزة ولكنه أفلح في توسيع القطيعة بينه وبين «ليكود» لدرجة الطلاق التام. وكانت النتيجة قاطعة حتى قبل إحصاء كل بطاقات التصويت: شارون تكبد هزيمة نكراء. ورأت الصحيفة أن عملية فصل شارون عن ليكود بدأت قبل نحو عامين، عندما طُرد من منصة مركز ليكود خلال محاولته تمرير قرار بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل». واعتبرت أن شارون الضعيف المهزوم... لم يعد المتفرد في «ليكود» بعد اليوم، لكن مع ذلك رأت أن انتصار معارضي خطة الفصل يمكن أن يكون مؤقتا.

شارون المغرور

ورأى عوفير شلاح في «يديعوت أحرونوت» أيضا أن نتائج التصويت ليست سوى «هزة أرضية». واعتبر أن شارون وقع ضحية «الغرور السياسي» الذي جعله يميل لاستفتاء تكتل «ليكود» ليشكل نوعا من الالتفاف على الحاجة لاتخاذ القرار. واختار أن يتخذ القرار بطريقة لا توجد في أي كتاب أو عرف. وفي رأي شلاح، فإن الغرور وانعدام المسئولية عند شارون لا يتوقفان هنا. إذ جند الرئيس الأميركي لتأييد علني لخطة إشكالية من ناحية علاقات أميركا مع العالم العربي. والآن يقف الرجل القوي في العالم، بوش، بشعور من الخجل والعار حيال حسم أعضاء حزب السلطة في «إسرائيل». ورأى ناحوم برنيع في «يديعوت أحرونوت» أن شارون هزم مرتين: مرة ممن توجهوا إلى صناديق الاقتراع، والثانية ممن لم يكلفوا أنفسهم عناء ذلك. وسخر معتبرا أن الهزيمة الثانية أكثر إيلاما فهي تدل على أن السياسة ملها ليس فقط الجمهور الغفير، بل أيضا أولئك الذين يحملون في جيوبهم بطاقات العضوية الحزبية، ولكنه أكد أن الفشل الذريع حقا لشارون هو في مجال الزعامة. وطالب برنيع، الإسرائيليين بعدم الشفقة على شارون وإنما على أنفسهم إذ تحت حكم مجلس المستوطنين ستصل «إسرائيل» آجلا أم عاجلا إلى وضع جنوب إفريقيا: أولا دولة منعزلة، مقاطعة، مكروهة من العالم ويملها قسم كبير من الجيل الشاب فيها، وعدا ذلك دولة ثنائية القومية.

وكتب ألوف بن في «هآرتس» مقالا تحت عنوان: «شارون زعيم من دون حزب»، اعتبر فيه أن هزيمة شارون، تركته في المكان نفسه إذ كان سلفه إيهود باراك، في الأيام القليلة التي سبقت انتهاء ولايته. ولاحظ بن، أن شارون كباراك، اختار المبادرات الشجاعة من خلال تنازلات سياسية واعتقد أن «عناق» إدارة بوش، كافٍ لتغيير الموقف الداخلي من مبادرته. وأضاف أن باراك سافر إلى كامب ديفيد، مع حزبه ولكن من دون ائتلاف حكومي أما شارون فيسعى وراء تطبيق خطته من دون حزب. ولاحظ بن، أنها المرة الثانية التي توضع فيها الإدارة الأميركية في موقف حرج على يد رئيس حكومة إسرائيلي ينتزع دعما أميركيا لمبادرة شجاعة. وأوضح أن بوش وضع مكانته على المحك في الداخل الأميركي من جهة وأمام العالم العربي من جهة أخرى بعد أن وضع ثقله وراء شارون، تماما كما فعل بيل كلينتون مع باراك. وإذ أكد بن، أنه خلال العام الانتخابي لن تجرؤ الإدارة الأميركية على التراجع عن دعمها لشارون أو حتى معاقبته، ونقل عن مصادر في القدس، أن الأميركيين سيكونون أكثر حذرا في دعم مبادرات إسرائيلية أخرى في المستقبل.

شمشون الجبار!

وشبهت سيما كدمون في «يديعوت أحرونوت» شارون بـ «شمشون». فسخرت معتبرة أن شارون القوي المصمم وعظيم القوة ولكنه غفا أثناء الحراسة. وفي الوقت الذي كان نائما فيه، قص شعره. وأضافت أن أسباب فشل شارون كثيرة، غير أن سببا واحدا فقط لم يحظَ بوزن كاف: وهو أن أقلية يمينية قومية متطرفة تنجح منذ أكثر من 30 سنة في إملاء جدول الأعمال الوطني، نجحت الآن أيضا في عمل ما هو متعذر: عرقلة خطة سياسية لرئيس وزراء، صادقت عليها وساندتها الإدارة الأميركية، مقبولة من معظم مواطني «إسرائيل» وكانت ستقر بغالبية لو أنها طرحت على الحكومة والكنيست.

ولاحظ داني روبنشتاين في «هآرتس» أن ما من مصدر فلسطيني ندد بالعملية التي نفذت في مستوطنة غوش قطيف. مشيرا إلى أن مصدرا فلسطينيا أكد أن ما من فرصة لتعبر السلطة الفلسطينية عن تحفظاتها على العملية، بما أن كل مستوطن هو جزء لا يتجزأ من الاحتلال الذي يجب أن تتخذ كل الإجراءات لمواجهته. وأضاف أن عددا من المصادر الفلسطينية اعتبر أن العملية بمثابة رسالة إلى شارون، مفادها أنه في حال كان هناك انسحاب إسرائيلي من غزة، فإنه سيجري في جو ستكون فيه «إسرائيل» الطرف المهزوم. ورأى أن غالبية الفلسطينيين كانوا يتمنون هزيمة شارون في استفتاء «ليكود»، لأن ذلك سيظهر للعالم بأسره الوجه الحقيقي لحزب «إسرائيل» الحاكم، وسيؤكد أن «ليكود»، لا يرغب في السلام ولا يمكن أن يكون شريكا في تحقيقه.

ولكن المحلل العسكري الإسرائيلي زئيف شيف في «هآرتس» أثار وجهة نظر المؤسسة العسكرية بالخطة... ولفت إلى أن الجيش لم يطلع على مضمونها خلال المرحلة الأولى من الحديث عنها داخل محيط رئيس الحكومة. وأوضح أن أول من سمع بالخطة خارج هذا المحيط كان الأميركيون خلال الزيارة التي قام بها مدير مكتب شارون دوف فيسغلاس، ومستشار الأمن القومي غيورا إيلاند إلى واشنطن. وأضاف أنه بعد عودتهما عقدت اللقاءات الأولى مع قادة الجيش وجهاز «شين بت». غير أن الواقع - يتابع شيف - أن قادة الجيش لم يطلعوا على مضمون الخطة على عكس وزير الدفاع.

وأوضح شيف، أن الطبقة العسكرية في «إسرائيل» ترى أن الاتفاق الثنائي أفضل من الخطوات الأحادية. أما خطة شارون بحد ذاتها فيرى الجيش أنها لم تؤد إلى فك نهائي وكامل للارتباط مع الفلسطينيين. وأوضح أنه طالما أن هؤلاء مصممون على مواصلة تهريب الأسلحة فإن ما من مهرب من فرض الحصار على قطاع غزة، ما يعني أن «إسرائيل» لن تستطيع الإفلات من إدارة غزة، بعد الانسحاب. على جانب متصل، أشار شيف، إلى أن مفهوم «تقليص الضرر» في خطة فك الارتباط وضعه الجيش في الأشهر الماضية، ومن هنا جاءت العمليات العسكرية القاسية التي أوقعت عددا كبيرا من القتلى والجرحى الفلسطينيين، كما استهدفت قادة حركة «حماس» في غزة. واستدرك شيف، في ختام مقاله أنه في حال فاجأ الفلسطينيون الجميع وأحكموا السيطرة على غزة، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، فإن فك الارتباط يكون كاملا

العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً