قبل ألفين وخمسئة سنة (551 - 479 ق.م) سُئِلَ حكيم الصين الكبير ومُنظّر مفهوم «المعرفة تعني الحكمة» كونفوشيوس؛ ما أول ما ستقوم به إذا ما حكمت الدولة؟ فأجاب على الفور: «بالتأكيد سأقوم بتصحيح اللغة». وعندما اندهش السائل من هذه الإجابة؛ أضاف الحكيم قائلا: «إن اللغة السائدة ليست صائبة؛ لأن ما يُقال عادة لا يحمل المعنى المقصود، وإذا كان ما يُقال لا يحمل المعنى، فإننا لن نستطيع القيام بما ينبغي أن نقوم به، وإذا لم نفعل الشيء المطلوب فإن الأخلاق والفنون والعدالة ستتلف Deteriorate وإذا فسدت الأخلاق والفنون فإن العدالة ستَضِل Astray وإذا ضلّت العدالة فإن الناس سيقفون في حالة من الخلط أو التداخل بلا حول ولا قوة، وحينئذ لن يكون هناك تحكم فيما يُقال أو يُمارس».
هذه الحكمة الرائعة والتوصيف الدقيق الذي قاله ذلك الحكيم فيما يخص لغة المجتمعات وأعرافهم وأفهامهم هو ما أردت الحديث عنه، لاقتناعي تماما بأن من ضمن الدكتاتوريات البوليسية الرهيبة التي تعيث في الأرض فسادا وتسوم الناس سوم العبيد، هي ما يُصطلح عليه بدكتاتورية «العرف الاجتماعي»، فهذا النظام العرفي الذي نُسِجَ (جُلّه) من واقع مرئيات خيالية جاهلية، أُطلِقَ لها العِنان حينا من الزمن وغُضَّ عنها البصر والرأي حينا آخر حتى استفحلت واستأسدت؛ باتت أشبه ما تكون مُصنّفة ضمن المقدس من الشريعة، ومُؤصّلة في الوجدان الشعبي والاجتماعي بحيّـز مُغتَصَب، وباتت محاولات التخلّص منها أو إصلاحها أشبه ما يكون بالتخلص من مُكوّن من مُكونات الطبيعة القاهرة. والغريب أن هذا العرف البائس الذي يكاد يسحب البساط من تحت النظام الأخلاقي القويم ويُزاحمه أصوله وتطبيقاته بدأ يُمارس وصاية، ليس فقط على خيارات الناس بل حتى على الفُتيا والدين، حين تقمّص دورا محوريا في تطويع غايات الفتوى، فأنت حين تسأل أي مرجع تقليد حول بعض القضايا الدينية يجيبك (بالإضافة إلى رأيه) بعبارة «طبقا للعرف الاجتماعي». وهذه مأساة حقيقية يجب النظر فيها بجديّة، ومدخلا أيضا لمعرفة الكثير من الأعراف التي تحوّلت إلى أحكام شرعية اصطناعية.
لذلك فقد بات من المُحتّم إيجاد دراسة جادّة وتُوصى بها لجنة تحضيرية فاعلة تعد أهدافها وبرامجها وسياساتها وتناقش رصد الظواهر العرُفية والاجتماعية والفكرية والسلوكية في المجتمع البحريني التي تُعتبر بنظر المنطق ظواهر رجعية متخلّفة يجب القضاء عليها، وأخرى تحتاج إلى تطوير فني وجوهري يتلاءم مع التطور الإنساني والعالمي، وخصوصا تلك المترسخة على شكل أنماط كلاسيكية مُقدّسة ومتجذرة في الشعور، وبالتالي تُحاول تشخيص الآتي:
1- تحديد معدلات تكرارها (الأعراف المعنية) ودرجة شدتها مع المقارنة بين تلك الظواهر من زاوية تزايدها أو نقصانها من حيث الكم والكيف.
2- رصد الشرائح المجتمعية الأكثر إيغالا في ممارسة تلك الظواهر.
3- ومن خلال ذلك الرصد يتم رسم خريطة ديمغرافية تُحدد بؤر ومصادر واتجاهات ذلك السلوك. ويُثير هذا أيضا قضية العلاقة بين المتغيرات الخارجية والتطور الإنساني والعالمي من جهة، وبقاء تلك الظواهر في الداخل وما هي مُحددات هذه العلاقة، وهل يُؤثر ذلك على صورة الإنسان البحريني في الخارج؟
وتنبع تلك الأهمية من التصدي لذلك الإشكال، أنه سيتخَذ مفهوم الظواهر الرجعية مدخلا لتحليل طبيعة المجتمع والتعرض لطبيعة النخب والمؤسسات التي يُمكن التعويل عليها في معالجة تلك القضايا. على كل حال على الجميع أن يتحمل المسئولية، وأن يُساهم ولو «بِشقّ» كلمة لأن المصاب جلل والخطب كبير
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ