لست أدري ماذا يريد (بعض) الإيرانيين من إطلاق تصريحات سيئة تتعلق بالبحرين بين آونة وأخرى! ألا يعرف هؤلاء أن مثل تلك الأقوال المثيرة للاشمئزاز قد تعود بالضرر على إيران أكثر من الضرر الذي قد يصيب البحرين؟!
اللافت للنظر أن هذه التصريحات التي تدعي تبعية البحرين لإيران لم تتوقف منذ العام 2007 وحتى الآن، واللافت كذلك أن الذين يدعون هذه التبعية لا يقولون لنا لماذا هي كذلك؟ وأين براهينهم على تلك الادعاءات!
وأمام تلك الأقوال المتهافتة لم نشاهد من المسئولين في إيران أي رد إيجابي عملي غير تكذيب تلك الأقوال، والقول: إن من قالها لا يمثل دولة إيران، ومثلها من الأقوال التي لا يمكن تصديقها دائما، وكان الأجدر بدولة إيران أن تحيل أولئك إلى المحاكم وبصورة علنية لينالوا الجزاء الذي يستحقونه، ولو أنهم فعلوا ذلك لأدخلوا الاطمئنان إلى نفوس العرب جميعا وليس إلى قلوب البحرينيين وحدهم، وفي الوقت نفسه لأنهوا هذه الأزمة التي يفتعلها البعض - كما يقولون - من دون رجعة ولكنهم للأسف لم يفعلوا شيئا من ذلك!
تصريحات السيد «نوري» رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق والتي قال فيها: إن البحرين تابعة لإيران لا يمكن أن لا تحمل على محمل الجد، ولا يمكن أن يصدق أحد أن «ناطق نوري» كان ينطق هازلا! وليس محتوى كلامه يمكن أن يسند إلى الهزل والضحك... والسؤال: ما هي الأهداف التي يريد أن يصل إليها السيد ناطق نوري؟!
وتصريحات رئيس تحرير صحيفة «كيهان» جاءت على السياق نفسه، وأيضا لا يمكن تصديق أن رئيس تحرير «كيهان» يهزل ويعبّر عن رأيه الشخصي ولا شيء أكثر من هذا!
هذه الأقوال أحدثت توترا شديدا في منطقة الخليج، كما أنها أزعجت الشارع العربي كله، فلم يعد مقبولا أن تدعي دولة تبعية دولة أخرى لها بمثل هذه الصورة الفجة!
أكثر من دولة عربية عبّرت عن تنديدها بتلك التصريحات، وأكثر من زعيم عربي زار البحرين للتعبير عن مساندته لها، وسمع الجميع استنكارات دولية لتلك الادعاءات التي تخالف كل القوانين الدولية.
أعرف أن إيران تراجعت عن التصريحات، وأكدت احترامها لسيادة البحرين على أراضيها، وأعرف وأقدر ما قاله المتحدث باسم الخارجية الإيراني حسن قشقواني من أن إيران ليس لها أي تطلعات توسعية في البحرين، وأن ما حدث عاصفة أوجدها الإعلان، وأن ناطق نوري لم يكن يشير إلى البحرين في تلك التصريحات! ولكن... هل هذه التبريرات استطاعت أن تزيل الاحتقان الهائل في نفوس أهالي البحرين جميعا؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي... فهذه النفوس لاتزال متوترة، وأعتقد -أيضا- أن الثقة بين الجانبين أصبحت معدومة، أو قريبة من ذلك على أقل تقدير!
اتخذت البحرين بعض الخطوات للتعبير عن رفضها العملي لكل ما قيل عنها؛ منعت السفن التجارية الإيرانية من دخول الشواطئ البحرينية، وقبل ذلك أوقفت محادثات استيراد الغاز من إيران، وقد تكون هناك أشياء أخرى مستقبلا.
لقد قلت أكثر من مرة إن الادعاءات التاريخية لا قيمة لها حاليا، ولو عادت كل أمة إلى تاريخها القريب أو البعيد لاختلط العالم كله، ولاستحالت معرفة مَن يتبع مَن!
إيران كانت في فترة تاريخية مبكرة تتبع «الجزيرة العربية» ومثلها معظم دول العالم في فترتي الدولتين: الأموية والعباسية، ثم انتقلت هذه «التبعية» إلى تركيا التي أصبحت تحكم ثلاثة أرباع العالم تقريبا... فهل تقبل إيران الاحتكام إلى هذا التاريخ المعروف؟ وهل يقبل الأميركان اليوم أن يعودوا للحظيرة الإنجليزية؟ ومثلهم الهنود وعشرات الدول الأخرى هنا وهناك؟
أعتقد أن على الإيرانيين أن يتركوا الاحتكام للتاريخ فهم يعرفون أن كل شيء قد تغيّر، وأن هناك قوانين وشرائع دولية هي التي تحكم قواعد الانتماء والاستقلال وسواها.
لا نحب أن يفتعل إخواننا في إيران قصة مرعبة كالتي فعلها صدام حسين فيعود ضررها على الجميع.
لا نحب لهم أن يساعدوا على إدخال الأجانب إلى بلادنا كما فعل صدام حسين، إذ سيصعب إخراجهم فيما بعد، وتحلّ الكارثة على الجميع.
من مصلحة إيران أن تضع كل قوتها مع كل دول الخليج ليكونوا معا ضد العدو المشترك: «إسرائيل» ومن يقف وراءها! الصهاينة ومن معهم كانوا -ومازالوا- يهددون إيران، وها هو السفاح نتنياهو يقول بكل وضوح: إن إيران على رأس التحديات التي تواجه الدولة العبرية.
وصرّح هو وآخرون بأنهم سيفعلون كل شيء لمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية أو سواها! وتدرك إيران أن أميركا تقف وراءهم وتؤيدهم بالمطلق.
فهل من مصلحة إيران إثارة كل دول الخليج ضدها؟ أوليس من مصلحتها أن تكون هي وهم يدا واحدة أمام العدو المشترك؟
ومن دون أن يطمئن الخليجيون جميعا بأن إيران لن تكون خطرا عليهم، أو على بعضهم، فلن يحصل شيء من ذلك كله.
على الحكومة الإيرانية أن تقفل هذا الملف بصورة نهائية، وعندها فقد تتغير أشياء كثيرة بينها وبين العرب جميعا
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2363 - الإثنين 23 فبراير 2009م الموافق 27 صفر 1430هـ