لقد استنكر الرأي العام في كثير من دول العالم ومن بينها بريطانيا الأساليب التي استخدمت داخل أروقة وغرف سجن «أبوغريب» ضد أبناء الشعب العراقي من قبل جنود الاحتلال.
بل أثارت تلك الأساليب استياء الجميع بعد أن تم بث صور لأشكال التعذيب من خلال وسائل الاعلام المختلفة في شتى أنحاء دول العالم... لقد خُيل لي أول ما شاهدتها أنني أحضر أجزاء من فيلم «سكريم» أو «الصرخة» الأميركي المخيف... لقد حزّ في نفسي كيف أذل الرجل الأميركي أبناء دجلة والفرات؟
ليس هذا فحسب فقد بدت الصورة مهينة ومذلة لشخص وشكل الانسان العربي... هذه الصور التي تحبذها وتروج لها عدسات هوليوود السينمائية... وها هي اليوم تنطلق مادة خبرية دسمة، لكن هذه المرة تبثها عدسات النشرات الإخبارية المتعددة الجنسية.
إن ما جاء من صور لأشكال وأساليب التعذيب في هذا السجن من قبل جنود المحتل الأميركي ما هي في واقع الأمر إلا وصمة عار تلصق على جبين الإدارة الأميركية التي تروج دعايات بعيدة عن أرض الواقع العراقي منذ أن دخلت قواتها الأراضي العراقية... فلا هو تحرير... ولا هو إعادة بناء لعراق جديد... كل هذا مجرد كلام يطلقه بعض ساسة البيت الأبيض لإخفاء وجوههم الحقيقية التي تحقد على الإنسان العربي والمسلم الذي ذنبه الوحيد أنه ولد على أرض حكمتها أنظمة ديكتاتورية لا تفقه سوى لغة التهديد والقمع.
هذه اللغة للأسف جعلته إنسانا متعودا على العيش في الذُل والخوف... جعلته إنسانا مسلوب الإرادة ونضاله ينصب في توفير لقمة العيش من أجل البقاء لا أكثر! وإن تمرد فمصيره الموت!
وجاء اعتذار الرئيس الأميركي جورج بوش على قناتي «العربية» و«الحرة» ووعده بمحاسبة من قاموا بهذا العمل في سجن «أبوغريب» ليشير إلى «أن الأنظمة الديمقراطية قد تخطئ وليست مثالية لكن لديها قوانين تحاسب قضائيا»!
لا ندري مدى جدية هذا الكلام الأميركي. وإن كانت أميركا التي تدعي على الدوام أنها بلد لكل الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وهي تقدم على مثل هذه التصرفات وغيرها في بلدان شتى بدءا بفيتنام وصولا الى العراق، فإن الواقع العربي يقول أكثر من ذلك وهو السبب في وصولنا الى ما نحن عليه. فكم من قصص و«حكاوي» عن أنظمة عربية لا تسأم من قمع شعوبها داخل أراضيها وفي سجون تستخدم فيها أبشع وسائل التعذيب... الأمثلة كثيرة وهي معروفة، لكنها تختلف من بلد إلى آخر بحسب حسه في التعذيب.
والحقيقة أن صنوف التعذيب التي تستنكرها الأنظمة العربية على سجن «أبوغريب» لم تعنِ شيئا لها كون اكثرها يسير على المسار نفسه وإن اختلفت الأساليب أو الحالات التي تتعامل بها... فهل نسمع يوما من رئيس عربي اعتذارا كاعتذار الرئيس الأميركي، حتى لو كان اعتذارا اعلاميا؟
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ