العدد 2363 - الإثنين 23 فبراير 2009م الموافق 27 صفر 1430هـ

تعزيز النفقات لمواجهة الأزمة المالية

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

لا يوجد خيار أمام الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي سوى تعزيز مصروفات القطاع العام لغرض التكيف مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. ويكمن الهدف النهائي لهذه الدعوة بتحاشي تحول القضية إلى أزمة اقتصادية تنال من النمو الاقتصادي وتعمق البطالة، بل من شأن تعزيز نفقات القطاع العام التعويض عن التراجع المتوقع لمصروفات القطاع الخاص بسبب تصدع الثقة.

موازنات خليجية

وخيرا فعلت الحكومة السعودية بإقرارها زيادة مصروفات السنة المالية 2009 بنسبة 15 في المئة عن تلك المقدرة للعام 2008. ومن ضمن الأمور الأخرى، تم تخصيص مبلغ متميز قدره 60 مليار دولار للمشروعات التنموية أي نحو 47 في المئة من حجم المصروفات السنة المالية. ويعد توجه السعودية لإنشاء قطارات تربط المشاعر المقدسة (قطار الحرمين) أمرا في منتهى الصواب نظرا إلى الحاجة لتسهيل تنقل الحجاج فضلا عن توفير مجالات تجارية للمؤسسات الوطنية وفرص عمل للمواطنين.

بدورها، قررت عمان زيادة حجم المصروفات في السنة المالية 2009 بنسبة 12 في المئة مقارنة بالأرقام المقدرة لموازنة 2008. من جهة أخرى، تشير التقارير الصحافية إلى أن موازنة قطر للسنة المالية 2009 و2010 ستكون الأكبر على الإطلاق في تاريخ البلاد من حيث المصروفات. كما هو الحال مع الكويت، (وتبدأ السنة المالية في قطر في شهر أبريل/ نيسان).

النمو الاقتصادي

يتوقع مسئولون في صندوق النقد الدولي تدني نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون من 7 في المئة في 2008 إلى نحو 5 في المئة في العام الجاري. ويعود هذا التشاؤم إلى تراجع الثقة لدى القطاع التجاري بما في ذلك المؤسسات المالية فضلا عن رغبة بعض المستهلكين في الاحتفاظ بالنقد الذي بحوزتهم نظرا إلى ضبابية الأوضاع الاقتصادية. وهنا تكمن أهمية تبني سياسة مالية توسعية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة المالية.

ويخشى أن يتسبب تراجع النمو الاقتصادي في تعقيد معضلة البطالة في الدول التي تعاني أصلا من معضلة توفير فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. ويشار إلى أن البحرين والسعودية وعمان تعاني من مشكلة البطالة في أوساط العمالة الوطنية. وبشكل أكثر تحديدا، يشكل تراجع النمو الاقتصادي تحديا لهدف حيوي للخطة التنموية الخامسة في السعودية والتي تغطي الفترة من 2004 حتى 2009. وتفترض الخطة التنموية تراجع نسبة البطالة من 7 في المئة في العام 2004 إلى 2.8 في المئة مع نهاية العام 2009. ويشكل العاطلون طاقات غير مستخدمة، الأمر الذي يقلل من فرص التنمية. كما تبقى التنمية الاقتصادية قاصرة في حال عدم توفيرها وظائف تتناسب ومتطلبات المواطنين وجلهم من الشباب.

مديونية محدودة

وما يدفعنا لتوجيه دعوة تعزيز نفقات القطاع العام هو محدودية المديونية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ويتضمن مشروع الاتحاد النقدي المزمع إطلاقه في العام 2010 مجموعة تشمل تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. وأيضا المطلوب ضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي.

حقيقة القول، يوجد هامش مريح فيما يخص المديونية العامة حيث تبلع نحو 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أي الأعلى بين دول مجلس التعاون. وفيما يخص السعودية، هبط مؤشر المديونية من نحو 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2007 إلى 14 في المئة في 2008 .

فوائض مالية

إضافة إلى ذلك، تتمتع موازنات دول مجلس التعاون بفوائض مالية وليس العكس، ما يفسح المجال أمام زيادة النفقات. على سبيل المثال وليس الحصر، حققت موازنة السعودية فائضا تاريخيا قدره 157 مليار دولار في السنة المالية 2008 أي نحو 41 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. كما حققت موازنة البحرين فائضا ماليا قدره 579 مليون دولار في 2007 أي نحو 5 في المئة من الناتج المحلي بالأسعار الجارية (لم تنشر السلطات حتى الآن نتائج السنة المالية 2008).

ما يبعث على الاطمئنان هو وجود مبالغ ضخمة بكل المقاييس في الصناديق السيادية الخليجية حيث من الممكن صرف جانب منها في الاقتصادات المحلية لغرض تنشيط الدورة الاقتصادية. وحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تبلغ القيمة المالية للصناديق السيادية للدول الست نحو 1500 مليار دولار (أي تريليون ونصف تريليون دولار). ويعد الرقم (1500 مليار دولار) متميزا حيث يزيد بنحو 80 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست مجتمعة.

تصدع الثقة

بالمقابل، يعتقد أن القيمة السوقية للصناديق هبطت في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة المالية، لكن لا تعرف على وجه الدقة حجم الخسائر المحتملة. ونعتقد بالضرورة أنه حان موعد الاستفادة من الأموال التي تجمعت في السنوات القليلة الماضية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة في الفترة ما بين 2003 حتى النصف الأول من 2008.

وبمقدور نفقات القطاع العام التعويض عن جانب من مشكلة تصدع الثقة لدى القطاع التجاري من جهة والمستهلكين من جهة أخرى. وتعتبر المصروفات الحكومية حيوية، لأنها تشكل ما بين 30 و35 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي. كما نرى صواب الدعوات القائلة بعدم التركيز على الأمور الحسابية (مثل الارتفاع النسبي للمديونية العامة) في حال زيادة النفقات. وطبعا البديل هو السماح للأزمة المالية بالتحول إلى معضلة اقتصادية ذات أبعاد غير واضحة المعالم.

ختاما، تشكل النفقات الحكومية مصدرا للسيولة في ضوء التقارير التي تؤكد تراجع رغبة البنوك بتقديم تسهيلات مصرفية بسبب تصدع الثقة. وتتخذ مؤسسات القطاع الخاص من النفقات العامة مؤشرات عن الآفاق المستقبلية للتطورات الاقتصادية

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2363 - الإثنين 23 فبراير 2009م الموافق 27 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً