أعتقد أن تحكيم منطق العقل هو الذي يجب ان يسود في مجتمعنا البحريني، ويجب اعتماد التصحيح في كل المواقع من دون عملية انتقاء، فالذي أوصل الوضع إلى هذا المستوى من التردي هو عدم الكياسة - وان خلصت النية - من أطراف متنوعة جزء منها في السلطة وجزء آخر في المعارضة، وهذه حقيقة واقعية؛ ان هذه الاطراف لا تريد ان تسمع رأيا آخر. وهؤلاء يختلفون في مهماتهم ووظائفهم الرسمية أو الاجتماعية، والضحية في المقابل هو الوطن بما يتمثل في أبنائه ومستقبل أجياله. وحتى ننصف الواقع دعونا نناقش بعض القضايا لنرى من المتسبب في هذه العتمة:
أولا، بالنسبة الى السلطة: التمييز في الوظائف مازال قائما والتعيينات مازالت انتقائية. كما أن البطالة مازالت قائمة وهناك تقصير واضح من قبل ديوان الخدمة المدنية وما يمارسه من دور في لعبة الكرة المتبادلة ما بينه وما بين الوزارات في إلقاء «الغلابة» من الناس. ولنا مثال في بناتنا اللاتي تقرحت قلوبهن بسبب عدم التوظيف من خريجات الخدمة الاجتماعية والجغرافيا التطبيقية والإدارة واللغة العربية... والمحسوبية موجودة في غالبية الوزارات واذا كانت هذه الوزارات ترفض هذا الطرح فلتؤسس الدولة لجنة تقصٍ وسأعطيها صورا عن ذلك. فهناك توظيف لحملة الشهادة الثانوية بينما الجامعيات جالسات في البيوت!
والسؤال: أين هم الوزراء من ذلك؟ ان بعض هؤلاء يبحث عن «تلميع الصورة في الصحافة وكثير من وزرائنا الأفاضل منشغلون، إما بالسفر الى الخارج أو التكدس عند افتتاح المعارض أو المهرجانات والكل يتعجب، فهم دائما عندما يطلب مدير هنا أو موظف هناك لقاءهم قالوا: لا وقت عندنا!
ومشكلة الاحتقانات ان بعض وزرائنا يلعب لعبة تسمى لعبة الأرقام ولعبة الانجازات الصحافية، وذلك لا يتناسب مع ما هو موجود على الأرض. هناك عمليات تستر على بعض المفسدين أو بعض التجاوزات لأن الهدف تلميع الصورة ولو كان على حساب مصلحة الوزارة أو المواطنين. طبعا في المقابل يوجد وزراء أداؤهم بدأ ينعكس على حياة الناس، كوزير الإسكان والأشغال، إذ بدأت الشوارع تتغير، وبدأنا نتلمس بعض التغييرات بخلاف السنوات الماضية (ما قبل الإصلاح) ويكاد يكون هو الوزير الوحيد الذي ارسل قضايا تجاوزات الى النيابة العامة. أما البعض فهو «لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم»، على طريقة (يا جبل ما يهزك ريح). طبعا أنا لا ألغي كل الوزراء ولكننا نطالبهم بتوضيح انجازاتهم على الأرض بعيدا عن تضخيمات الصحافة. وزير الإعلام مثلا الآن، وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا اجتمع بالمسئولين في الوزارة ليسأل عن النقص، وكيفية تطوير الوزارة وضرورة إيجاد برامج تجتذب الشارع البحريني!
والسؤال: أين أنتم طيلة هذه الاعوام؟ ان جزءا من عدم وضوح انجازات مشروع الإصلاح في ذهن الناس سببه غياب الاستراتيجية في الوزارة، التي اصبحت موقعا للتدريب واختبار الحظ، في حين غابت العناصر البحرينية الفاعلة والمبدعة حتى وصلت صورة التلفزيون الى هذا المستوى الذي يدعو للشفقة، وأصبح المقربون هم الذين يديرون الحوارات ويحظون ببرامج لا تتغير في الفن، في الثقافة، في الطبخ، وفي كل شيء حتى أصبحت الوزارة تكمل الصحافة والصحافة تكمل الوزارة، فمن تراهم في صحافتي تراهم في وزارتي، برامج عتيقة، أخطاء نحوية فاضحة إلى درجة أن الأذان في الوزارة أصبح لفترة طويلة يكتب ويوضع على الشاشة هكذا: «أشهد أن محمد رسول الله» (بالرفع لا بالنصب) وكل العالم ينظرون! إذا إعلام على البركة. ويبقى السؤال: كيف يفهم الجمهور الواقع بهكذا إعلام؟!
كذلك البرلمان مارس دورا في خلق حالات الإحباط، فالسلطة دافعت بقوة عن وزرائها على رغم فضائح ملف التأمينات والتقاعد وخرج وزير المالية في صورة البطل والإبن البار، ولربما يبقى في التشكيلات الوزارية الجديدة ايضا وذلك لا شك دفع باتجاه إحباط الناس.
إذا صمنا وأفطرنا على بصلة! السلطة يجب ان تدفع باتجاه تغيير اللائحة الداخلية والمذكرة الايضاحية المصاحبة لها والموقعة من دائرة الشئون القانونية، فهي محبطة وتجعل من البرلمان برلمانا ديكوريا، فلابد من تقديم تنازل في ذلك حتى ننجح المشروع الإصلاحي، ويجب ايضا ان يُضبط إيقاع جزء من الصحافة التي تعتمد التشهير بأي نائب يطالب باستجواب أو سحب ثقة.
ثانيا: أما بالنسبة الى المعارضة، فهي للأسف وقعت في إشكالات تحتاج الى نقد. فقد عبئ الجو بصورة واحدة واستُفرد بالمجتمع وأُلجمت أفواه كل من كان يؤمن بخيارات أخرى على رغم ان الديمقراطية تعني ان لكل شخص حق إبداء رأيه. ولكن هذا لم يحدث إذ تُفرّد برأي واحد وكانت النتيجة ما وصلنا إليه... على رغم ان الديمقراطية تعني أن رأيك صواب يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب، ولكن صدورنا للأسف تضيق من أي آخر، فهناك أمور تحتاج الى ضبط ويجب ان تسمع اصوات أخرى متنوعة في داخل البيت ذاته وهي أصوات كثيرة ومخلصة ومن المعارضة وتمتلك شرعية تاريخية وشاركت في النضال الوطني وأعدادها كثيرة وقلبُها على المعارضة والوطن والمجتمع. فيجب ان يناقش رأيها - على أقل التقادير - ويمكن إلقاؤه في البحر لمن لا يريده. بالأمس دعا عدد من العلماء إلى اجتماع لمناقشة الوضع وهي بادرة جيدة. فعلى الجميع العمل لإيجاد حل للوضع، فهناك ايجابيات يمكن استثمارها مع رفض السلبيات أو تداركها، والتوازن في الأمور من كلا الطرفين يكون لصالح الجميع. لذلك نتمنى إطلاق سراح أبنائنا المعتقلين!
وللحديث تكملة..
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ