العدد 607 - الثلثاء 04 مايو 2004م الموافق 14 ربيع الاول 1425هـ

الجيوبوليتيكيا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يُحدثنا التاريخ أن ابن المُقفَّع كان يقول واصفا الجغرافيا إن «بها تطوير طبائع وسجايا العرب». كما أن الفارابي أرجع الخلق والشيم والطبيعة إلى أثر البيئة والموقع الجغرافي. وذكر ذلك ابن المقري أيضا في نفح الطيب، وحديثا قال لاكوست إن سياسة الدول في جغرافيتها. وقال ديغول ناصحا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «لا تقرأ السياسة من دون أن ترى خارطة الدول الجغرافية». والأقوال تتعدد وتبقى الغاية محل إجماع. فلا غرو أن الجغرافيا المُحَوَّرة الآن إلى الجيوبوليتيكيا تلعب دورا رئيسيا في صوغ علاقات الدول ببعضها بعضا، فهي التي تُجيِّر السياسة والجيوش والمال لخدمتها، وهي التي تُرينا ما يحدث في صقع من هذا العالم. كيف تلعب المسائل الحدودية كفيصل في الصداقة والعداوة، أو في سياسات التأثير والتأثّر والتفاعل بين الدول، إلاّ أن اللافت من كل ذلك أن غالبية تلك الثنائيات الحدودية المتقاتل عليها تقع في القارات القديمة: (روسيا واليابان)، (الهند وباكستان)، (إيران والعراق)، (السودان ومصر)، (المغرب والبوليساريو)... وعند تضييق حركة المجهر قليلا يتبيّن أن الكثير الكثير من تلك الخلافات هي بين الدول العربية والإسلامية، فلا تكاد ترى أرخبيلا أو مجموعة جزر أو أي وصف جغرافي إلاّ وتلحظ من دَيْنك الداء ما يملأ، ولربما يكون جزءا منه راجعا إلى عهد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي ومخاض اتفاقات سايكس بيكو.

فبالإضافة إلى مصادر الصراع الثمانية الفردية والنفسية والتاريخية والاقتصادية والسكانية والأيديولوجية والنظامية والجغرافية تبقى الأخيرة من الأسباب المحورية في تحديد المؤشرات وشدتها والمجالات الحيوية ومدى تضعيف وتمتين العلاقات البينية. أضف إلى ذلك أن الجغرافية قد تكون هي المدخل لأدوات الصراع بين الدول، فمثلا بلغت الأداة العسكرية في الصراع العربي العربي ما بين صدامات الحدود الواسعة أو مشاركة طرف ثالث في صدامات الحدود أو المناوشات الحدودية أو المحدودة 9,22 في المئة في حين بلغت الأداة الدبلوماسية ما بين ثنائية وجامعة الدول العربية أو المنظمات الدولية 24,88 في المئة، في حين بلغت أداة التخريب السياسي 14,58 في المئة، وأداة الدعاية 49,34 بالمئة، والأداة الاقتصادية 1,96 في المئة. ولم تقم الدول العربية خلال صراعاتها الأزليّة بعمليات ردم للهوة بينها بل ساهم البعض منها في تغيير أنظمة الحكم لدى الخصم بنسبة 17,91 في المئة، ولم تقم مبادرات من جانب واحد إلاّ بنسبة 5,97 وهي مؤشرات خطيرة لعالم يُدين جلّه بلغة واحدة ولدين واحد ولهوية واحدة وتتهدده الأخطار الوافدة نفسها في أمنه القومي. بل وصلت نسبة متوسط انتشار الصراع في الوطن العربي وأقاليمه منذ العام 1945 حتى العام 1981 إلى 20,51 في المئة، وهي نسبة عالية جدا تُعيد إلينا ذكريات الحروب التي عاشتها الدول الأوربية في النصف الأول من القرن العشرين. كما أن تلك النسبة وجّهت حال القلق والاضطراب الأمني إلى فتح خزائن العالم العربي أمام جشع شركات السلاح العالمية مثل لوكهيد مارتن وبوينغ ورايثيون. لذلك فلا غرابة أن نجد أن حجم عمليات انتقال الأسلحة التقليدية الرئيسية وفقا للبلدان المستوردة والمصدرة منذ العام 1998 وحتى العام 2002 قد بيّنت أن الدول العربية هي الكيانات السبّاقة لاقتناء السلاح. فبحسب مجمل الواردات في الفترة المذكورة وبحسب قيم مؤشر سيبري معبرا بملايين الدولارات الأميركية بالأسعار الثابتة لسنة 1990 فإن مشتريات السلاح (لبعض) الدول العربية في الفترة من 1998 ولغاية 2002 بلغت أكثر من 15910 ملايين دولار في حين يزيد عدد الأميين العرب على 70 مليون شخص، وعشرات الملايين من الفقراء! فإلى متى يا «ولاة الأمر» سيصلكم النداء وتوقظ غفلتكم الاستغاثة؟

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 607 - الثلثاء 04 مايو 2004م الموافق 14 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً