قام الكثير من الكتاب المحليين أخيرا بالكتابة في شأن المعارضة محاولة منهم لكي تتجه إلى العقلانية والواقعية وتجنب ما يمكن أن يكلفها كثيرا، وخصوصا أن فترة السنوات الثلاث الماضيات غير كافية لكي تجعل لهذه الجمعيات جذورا راسخة في المجتمع، فهي لم تخرج من حفرة إلا لتواجه هاوية، وبالتالي، فإن «غيابها» لا سمح الله والقانون قد لا يخلّف ذلك الفراغ الكبير.
وليست هذه الدعاوى من قبيل تثبيط الهمم، أو الدعوة إلى الخور والمهادنة، بل هي «السياسة» التي تهاجم حين يكون للهجوم فرصة، وتدافع حين لا يكون من الدفاع مناصا.
وإن كانت متأخرة، فقد قامت بعض الجمعيات السياسية ببعض الخطوات لتفوِّت الفرصة على من يلوحون بإغلاقها في كل شاردة وواردة، وربما أغرت هذه الخطوات بعض الجهات الحكومية لكي تحصرها في زاوية ضيقة، وتشد الحبال على رقابها.
إن كان مرفوضا تشدد بعض الجمعيات السياسية في الطرح عندما غلقت الأبواب أمام الحوار وقالت للصدام «هيت لك»، فإنه مرفوض كذلك وربما بشكل أكبر ما تقوم به الحكومة من إحصاء لأنفاس الجمعيات، والوقوف عند كل نقطة للمحاسبة والتلويح بالعقوبات البالغة الشدة والغلظة، وتحميل أمر «التوقيعات» أكبر مما يحتمل.
فما قامت به السلطة التنفيذية في الفترة الماضية من إصدار حزمة من القرارات الخاصة بالعريضة الشعبية، أظهرها في موقف المتشكك من صحة ما هي عليه، والمتلجلج في تعاطيه مع تعبير الناس عن آرائهم، فما تم إلى الآن من جانب الجمعيات السياسية أمر سلمي، ومجابهته «تنفيذيا» برفع درجة الحرارة لا مبرر له، ويتجاوز الفعل نفسه.
إذا كانت الدعوة للمعارضة لاتزال مستمرة في إعادة قراءة خطواتها السابقة على أمل اتخاذ نهج جديد مستقبليا، فعلى السلطة التنفيذية إتاحة الفرصة لها لذلك ولا تدفعها دفعا للمغالاة، فتكفينا دروس نراها في كل وادٍ نتيجة القمع وتشريط الأصوات المعارضة
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ