العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ

الاتحاد الأوروبي والمفارقات العربية بين رفع السلاح ورفع الحواجز

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي ترفع فيه الحواجز بين دول أوروبا الكثيرة، القريبة نسبيا إلى العرب، عن طريق توسيع السوق الأوروبية المشتركة، ليصبح النادي الأوروبي مكونا من خمس وعشرين دولة، يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاث مئة وسبعين مليونا من المواطنين ليس بينهم حدود أو حواجز، يرفع العرب على بعضهم بعضا السلاح الذي ينطلق منه الرصاص الحقيقي... أو السلاح الرمزي الذي تنطلق منه رصاص الكلمات.

الدول الخمس والعشرون في النادي الأوروبي الجديد تتكلم عددا من اللغات تفوق عدد أصابع اليد الواحدة، ولها ثقافات مختلفة تكاد تتناقض، وتاريخ طويل من الحروب البينية، والعرب الذين يتحدثون لغة واحدة، يرفعون السلاح على بعضهم، أما داخليا كما يحدث في كل من الجزائر والسودان، أو بين بعضهم والبعض الآخر كما حدث في حروب المناوشات الحدودية، أو تنفلت منهم فئة لتخرب الاقتصاد الوطني كما يحدث في حمى الإرهاب المشاهد في عواصم عربية عدة.

المفارقة أن العرب وأيضا عددهم الكلي يقارب النادي الأوروبي الجديد الذي يتشكل في منطقة لا تبعد عنهم كثيرا، لا ينتبهون إلى التجربة الماثلة بجوارهم.

المصالح الناتجة عن السوق الأوروبية المشتركة للدول الأعضاء كثيرة، وقد قدّمت الدراسات حولها، فقد أصبح الاقتصاد الأوروبي ينافس أقوى تنظيمات الاقتصاد الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، كما أصبحت العملة الأوروبية هي أقوى عملة دولية، فاقت حتى الدولار.

أما النتائج السياسية فهي كثيرة إلى درجة أن بريطانيا التي كانت دائما تضع رجلا في النادي الأوروبي ورجلا أخرى في النادي الأميركي، تتوجه اليوم لتصبح كليا عضوا فاعلا في النادي القريب منها (الأوروبي) بسبب المصالح التي تراها هناك.

ولكن السؤال المطروح أمامنا جميعا هو: لماذا تتوجه أوروبا إلى التجمع ورفع الحواجز فيما بينهم أكثر من خفضها... بينما يتوجه العرب إلى التفرق؟

ربما يكمن الجواب في أن أوروبا ليست موجودة في ذهن الاوروبيين، ولكن يريدون خلقها عن طريق عمل جاد وحقيقي ومنظّم، يأخذهم في نهاية المطاف إلى الوضع الأفضل، اقتصاديا وسياسيا، بعد أن وجدوا عقليا ألا مستقبل لهم في ضوء التكتلات الإقليمية الكبري، غير ذاك الطريق، وهو طريق يجنبهم المزالق نحو العداء ومن ثم الحروب. هم لم ينطلقوا من مسلمات، ولكن من أماني، معترفين بمشكلاتهم راغبين في حلها.

ولان العرب على عكس ذلك، (منطلقون من مسلمات، متجاهلون للمشكلات) فالنادي العربي (مخلوق في الأذهان) منذ القديم كما يرى البعض، وما علينا إلاّ أن نعيد تركيبه، ولكن في الحقيقة أن ذاك النادي ليس له وجود على الأرض. يعتقد البعض أن كل ما يجب أن يفعله هو أن يعيد خلقه، وخلق شيء من لاشيء لم يوجد قط، على الأقل في الفضاء السياسي والاقتصادي.

تلك إشكالية مركزية في الفكر العربي لم يتغلب عليها إلى اليوم، فمقولات مثل (إننا كعرب نملك إمكانات هائلة اقتصاديا بسبب ثرواتنا الطبيعية وموقعنا الجغرافي) التي كثيرا ما نسمعها من الاقتصاديين، هو قول يحتاج إلى إثبات، إن لم يكن المثبت عكسه تماما، فالعرب جميعا هم أفقر الشعوب بالمعنى المادي اليوم بالمقارنة بدول متوسطة مثل اسبانيا أو ايطاليا، عدا أن نقارن أنفسنا بدول مثل اليابان أو ألمانيا. كما لم تعد الجغرافيا عاملا حاسما، بعد تطور المواصلات والاتصالات، ولكن مازال كثير من منتدياتنا العربية اليوم، كما حدث في بيروت أخيرا في لقاء مؤتمر إشهار المؤسسة العربية للتحديث الفكري، يردّد مثل هذه المقولات! وقضية ثانية تلح على الموضوع هو أن العرب، كما يردد دائما، أعظم الأمم وأعمقها تاريخا، هذا الشعور (بالتفوق) هو مقعد في جانب منه عن النظر في السلبيات الكثيرة التي تواجهنا، فعلى رغم أن هذه المقولة مردّدة دائما في ندواتنا ومدارسنا وملتقياتنا وكتبنا، إلا أن الواقع يناقضها تماما، فقد فشلت الدولة العربية أن تتجاوز الواقع لتخلق واقعا أوسع، يضم إطارا أكبر من الدولة، فقد فشلت تجارب وحدوية عدة في مدى نصف القرن الماضي، لأنها بنيت على خيال أكثر من واقع، وفشلنا كعرب حتى في أن نوحّد لغة خطابنا مع الآخر، فعلام دفن الرؤوس في الرمال؟ فكرة التفوق وامتلاك ما لا يمتلكه الآخرون تقعد العرب عن الابتكار، ومحاولة حل المشكلات التي تواجههم.

لا أريد أن أشير إلى القضية الفلسطينية التي راوحت بين قضية وطنية (فلسطينية) وبين قضية قومية (تهم العرب جميعا) كما لا أريد أن أشير إلى الفشل الذي أصبح معروفا في الاتفاقات العربية الكثيرة على الورق في الشأن الاقتصادي، ولكن الإشارة واجبة إلى ما يتم اليوم من فشل عقد لقاء على مستوى القمة العربية وتردّد حتى في عقد اللقاء! لأن الأجندة (العربية) غير محددة فيما نريد كمجموعة إقليمية وما لا نريد! وبين ما نريده كدول!

ما يحدث في العراق أو السودان من اقتتال، وما يحدث في كثير من عواصمنا العربية من إرهاب، وما يحدث في برامجنا الفضائية من اقتتال بالكلمات، هي ظواهر «الأزمة» أو الحاجز التي يفصل بين الواقع والمتخيل، وهي حواجز تبدأ في الدولة الواحدة وبين طوائفها ومدارسها السياسية، وتنتقل إلى صعيد التجاذب على المستوى العربي.

نحن لم نكتشف، كما اكتشف الأوربيون، أن الاختلاف إن وجد له آليات يمكن تفعيلها وان هناك قواعد للعبة، وأن مد الجسور الاقتصادية والسياسية هو خير ألف مرة للشعوب من إطلاق الرصاص، المادي والمعنوي، وان مشاركة القوى المختلفة في المجتمع أكثر صلاحا من تهميشها، وان التحدي لا يكمن في استدعاء الماضي بل يكمن كله أو جله في معالجة وشكل الحاضر ومواجهة متطلبات المستقبل

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً