التهم الخطيرة التي وجهتها النيابة العامة أمس الأول إلى أربعة عشر مواطنا بعد اعتقالهم من مراكز أقاموها لجمع تواقيع على عريضة الجمعيات الأربع ليست في محلها، وهي تعقّد الأمور أكثر من إصلاحها. ففي الشهر الماضي فتحت وزارة الداخلية أبوابها لنشطاء ومفكري ومسئولي حقوق الإنسان من داخل وخارج البحرين وتم تداول مسائل حقوق الإنسان وكيف يلتزم بها منفذو القانون. وأهم النقاط التي أثيرت هي كيفية احترام حقوق الإنسان أثناء تنفيذ حكم القانون.
مسئولو وزارة الداخلية بإمكانهم القول إنهم نفذوا القانون من دون أي إيذاء لمن تتهمهم بالإخلال بالأمن العام، ولكن ينبغي أيضا النظر إلى محتوى التهم لكي تتوازن الأمور. بمعنى آخر ينبغي أن ننظر إلى «عدالة القانون» و«حكم القانون» في آن واحد. وفي بلد مثل البحرين وهو يمر بمرحلة انتقالية ينبغي أن يحتاط الجميع في تطبيق قوانين من فترات ماضية لا تتناسب والعهد الإصلاحي الذي نعيشه، وخصوصا مع بطء العملية التشريعية الحالية التي نأمل أن تتم مراجعة إجراءاتها لمساندة التوجه السياسي الديمقراطي.
لدى حديثي مع بعض المقربين من الجهات الرسمية تتكرر الإشارة إلى مفهوم «المصلحة العامة»، وكيف أن البحرين تتضرر من تكرار حوادث منفلتة بين شهر وآخر، وكيف أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود بين «الوفاق» (التي تمثل الشارع الشيعي العام) وبين الجهات الرسمية. والإشارة الأخيرة لعلها الأهم في كل ذلك، لأن عملية اتخاذ القرار داخل الشارع الشيعي معقدة جدّا، وحتى لو كانت هناك أصوات تود سلوك طريق آخر غير الطريق الحالي، فإن قدرتها على ذلك محدودة جدّا بعد أن تم «تحميس» الجماهير وبعد أن تغلغلت في النفوس لغة تشاؤمية وتشكيكية. هذه اللغة بدأت على مواقع الانترنت ولكنها مع مرور ثلاث سنوات (من دون التصدي لها) أصبحت هي السائدة وأية وجهة نظر مخالفة يتم تسقيط أصحابها. ولذلك فإن أصحاب التوجهات الأخرى إما يختفون من الساحة أو يتم تعريضهم لوابل الشتائم والتهم التي لم يقف أمامها علماء الدين ولم يتصدّ لها رموز الوفاق بشكل جدي، وأصبحوا مع الأيام ضحايا بدلا من موجهين ومرشدين.
على أن كل هذا الحديث في جانب، واعتقال مجموعة من الشباب وتوجيه تهم خطيرة إليهم في جانب آخر. فهؤلاء الشباب مقتنعون بأنهم نفذوا تعليمات قالت لهم إن ما يقومون به متوافق من الناحية «الفنية» مع رغبة الحكومة في أن يكون الموقعون من أعضاء الجمعيات الأربع. صحيح أن الحكومة أعادت صوغ حديثها لترفض الذين يوقعون من دون اكتمال شروط العضوية، ولكن الصحيح أيضا هو أن الخيار الذي سلكته الجمعيات الأربع كان توافقيّا.
كان بالإمكان القول إن التجمع يحتاج إلى رخصة وأن هؤلاء ليست لديهم رخصة، وتتوقف المسألة عند ذلك من دون توجيه تهمة «محاولة تغيير النظام» (إذا صح ما نقل عن المقربين للمواطنين الذين تم إيقافهم). فهذه التهم لا تتناسب أبدا مع واقع الحال، وخصوصا أن منطقتنا الخليجية والعربية تواجه إشكالات أخطر بكثير مما نواجهه في البحرين، بينما حالنا - ومهما يكن الأمر- فإنها لا تمثل شيئا خطيرا بالنسبة إلى ما يدور حولنا.
إننا في الوقت الذي ندعو فيه المقاطعين إلى تحكيم العقل والابتعاد عن «الحماس» و«التحميس»، فإننا أيضا نطالب الجهات الرسمية بتحكيم العقلانية في التعامل مع الأمور والافراج عن المواطنين من دون ان يعني ذلك تخليهم عن تطبيق حكم القانون. لقد أشار مستشار جلالة الملك المفكر جابر الأنصاري قبل عدة أيام إلى أن المخاطر التي تواجه المشروع الإصلاحي تتمثل في «الراديكالية الرافضة والنفعية الراكعة»، والخوف هو أن بعض «النفعيين الراكعين» قد يجدون فرصة للظهور من أجل التصفيق لأمر لا يستحق ذلك
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 605 - الأحد 02 مايو 2004م الموافق 12 ربيع الاول 1425هـ