عندما نريد أن نقترب من قراءة الواقع يجب أن نركز على نقطة مهمة هي أننا لسنا الوحيدين في هذا العالم. وكل مجتمع له تقاطعاته، وتعقيداته وتوازناته ولكي نعرف مستوى قوتنا كأفراد أو مؤسسات أو مجتمعات أو أحزاب يجب أن نحسب حسابا رقميا نوعيا لقوتنا، وقوة أية أمةٍ أو فئة تقاس بعدة أمور: 1- القوة الاقتصادية، 2- القوة التعليمية، 3- مستوى النفوذ في المراكز المهمة.
طبعا الكثرة لا يقاس بها دائما وإنما تقاس قوة المجتمع بالنوعية، فاليهود قلة لكنهم استطاعوا أن يخطفوا القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي في العالم. عانوا سنين من عقدة البرانويا (عقدة الاضطهاد) لكنهم لملموا أشتاتهم وعرفوا كيف يحسبون الخلطة بطريقة صحيحة.
أكثر التيارات الإسلامية في العالم وخصوصا في العالم العربي تعتمد على قوتها الخطابية لكنها لا تنتج لها شيئا. «القاعدة» دخلت اللعبة السياسية باستعراض العضلات لكنها قتلت نفسها بعملية التفجيرات التي صنعتها في نيويورك وواشنطن... ردة الفعل الأميركية كانت قوية... لاشك أن «القاعدة» شعرت بالانتعاش لعمق الضربة لكنها خسرت أفغانستان، ضيقت الخناق على محبيها هنا وهناك في الخليج وغير الخليج وهكذا الأمر بالنسبة إلى بعض الحركات الإسلامية.
الحركات الإسلامية يجب أن تركز على قضايا مهمة في ظل هذا العالم المتغير ويجب أن تدرس الواقع السياسي بحكمة بعيدا عن الخطابات وقد يأتي يوم وتتململ الجماهير من خطاب اليوتوبيا (الأحلام) وتكتشف أنها كانت تغذى بخطابات لم تؤكلها عيشا لأنه بعد انتهاء كل مرحلة يبقى الناس يسألون في عملية فرز: متسائلين: كم من الوظائف حصلنا؟ كم من المؤسسات توفقنا لها؟ كم من المشروعات الاقتصادية أسسنا؟ هل استطعنا أن نؤهل قواعدنا الاجتماعية اقتصاديا وتعليميا؟ هل رفعنا من مستوى معيشتهم؟
ما أريد أن أركز عليه نقطة مهمة. لقد خرجنا من مرحلة التسعينات والتيار الإسلامي مثقل بتداعيات تلك المرحلة النضالية بسبب التهميش والاغتراب السياسي لأنه هو الذي دفع الفاتورة الكبرى في ذلك فقواعده الشعبية خرجت بعدة كدمات في المفاصل: تسرب عدد كبير من التعليم بسب التمييز أو الفصل من الجامعة أو المدرسة فهؤلاء يحتاجون إلى وقت كافٍ لتأهيلهم. الفصل من الوظيفة ورجع الكثير منهم لكن مازال عدد لا بأس به يعاني من التداعيات. حالات الفقر تكدست في القرى بشكل ملفت، بمعنى أننا نحتاج إلى الدخول في مشروعات اقتصادية لتأهيل هؤلاء الفقراء.
كل ذلك لا يمكن أن يتحقق مع عدم وجود استقرار سياسي. هناك فرصة ذهبية لتحقيق بعض هذه المطالب: البرلمان، المجلس البلدي، الصحافة، المجتمع المدني من نقابات وغيرها، الخمس وترتيب البيت الوطني والإسلامي على ثقافة القواسم المشتركة وتجنيب القواعد الشعبية الدخول في مهاترات البيضة والدجاجة كما يحدث في المواسم الدينية على قضايا صور ومساجد و... الخ. أعتقد أن خروجنا من البرلمان أضعفنا كثيرا. صحيح أن البرلمان ليس بالمستوى المطلوب لكن عدم الدخول جعلنا خارج المعادلة شئنا أم أبينا. القاعدة الشعبية تعاني من فقر مدقع وتمييز فادح... عندما تكون في الخارج كيف ستضغط للحصول على مكاسب لتأهيل قاعدتك؟ التيار الإسلامي أهمل الصحافة على رغم أهميتها وراح أيضا يمارس ثقافة المقاطعة لفترات مختلفة فهو يضيق ويزيد من التضييق على نفسه، كان بإمكانه أن يزرع له كُتّابا وصحافيين شيئا فشيئا حتى يجد نفسه موجودا في كل مكان وقادرا على الإمساك بخيوط غالبية اللعبة. العنصر الآخر هو تجسير العلاقة مع السلطة بما يصب في خدمة مشروعات الوطن والجماهير وكانت فرصة الدخول فرصة ذهبية لذلك. أما عن الشق الاقتصادي فقد أهمل اهمالا فظيعا على رغم وجود المناخ المناسب للدخول في مشروعات اقتصادية. لا أدّعي العصمة في الاجتهاد السياسي لكني أؤمن بالتعددية والديمقراطية في الرأي فالديمقراطية تعني أنه لك الحق في ابداء رأيك ولي الحق في إبداء رأيي. فرأيك صواب يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ