العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ

بوش / بلير... ماذا بعد؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الصور المقرفة التي بثتها شبكة «سي بي إس» الأميركية وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية هي البداية... بداية انفضاح الصورة الحقيقية التي جاء من أجلها الاحتلال أصلا. فالصور مخجلة والقصد منها إهانة الإنسان العربي (المسلم) وإذلاله من خلال التقاط مشاهد تضرب صميم معتقداته التي يرى الغرب أن العرب يعطونها أهمية خاصة في سلوكهم اليومي.

الصور فاضحة إلى درجة أن جورج بوش أبدى اشمئزازه منها، كذلك كال طوني بلير بالمكيال نفسه وزاد على اشمئزاز بوش انزعاجه من تلك المشاهد المؤذية. كلام بوش - بلير لا يقدم ولا يؤخر في المسألة. فما حصل حصل. أما الوجه «الحضاري» و«الثقافي» و«الأخلاقي» لمهمات قوات التحالف وحبها للشعب العراقي فهي كلها مجموعة أكاذيب ظهرت حقائقها منذ فترة طويلة ولا تحتاج إلى الصور لتأكيد تلك الوقائع. فمن يكذب أولا يكذب أخيرا، ومن يخدع شعبه وشعوب العالم ليس غريبا أن تظهر منه مثل هذه الأفعال الشنيعة. وما كشفته الصور في العراق كشفته أيضا مشاهد مماثلة ارتكبتها «قوات السلام» سواء في أفغانستان والصومال أو في البوسنة وكوسوفو. فالحروب هي الحروب وما يتداعى عنها أسوأ بكثير من تلك الأخبار التي تتناقلها الكتب والروايات ووكالات الأنباء.

السؤال الحقيقي: ماذا بعد؟ وهل مشهد الصور يعني التوبة وبداية قراءة نقدية للملف العراقي أم الاستمرار في السياسة نفسها وترك المسألة للوقت. التجربة تقول إن الصدمة مؤقتة وربما تكون مفتعلة. فالمحتل يعرف أن مثل هذه الأمور تحصل بتشجيع من القيادة العليا أو من دون تشجيع، ولكنه يستمر في سلوكه لأن أهدافه تتخطى مثل هذه المناظر. فالمحتل في النهاية يمثل مصالح دولة كبرى تقوم موازنتها ومصادر ثروتها على الحروب وتغذية طموحات شركات النفط ومؤسسات التصنيع العسكري. فالحرب اقتصاد، والاقتصاد يتحرك بدوافع المصالح لا بمبادئ الأخلاق. وفي هذا الإطار يجب قراءة اشمئزاز بوش وانزعاج بلير.

بوش / بلير أوقح بكثير من أن تقلقهما مثل هذه المشاهد. فالصور التي تسربت عن عمد أو مصادفة إلى محطة غربية ليست موجهة إلى الغرب أصلا بل إلى العرب. فالخجل يجب أن يكون من الجانب العربي لا الغرب. جنود بوش - بلير يتصرفون من موقع المنتصر وفي رأيهم أن العراق «غنيمة حرب»، وأن بلاد الرافدين مزرعة، وشعبها حقل تجارب للأسلحة وقطعان المرتزقة التي استجلبوها من بقايا النظامين العنصريين في جنوب إفريقيا وروديسيا سابقا.

ما حصل في العراق ليس جديدا على قوات بوش / بلير، فقد حصل أسوأ منه في حالات حربية سابقة. وما حصل - على شناعته - يستطيع تحالف بوش / بلير تغطيته من خلال عملية استبدال للضباط وادعاء إحالة المسئولين إلى التحقيق... ولكن المهم بالنسبة إلى التحالف أن الرسالة وصلت إلى العرب وشعوب العالم. فالرسالة واضحة وهي: لا تصدقوا الأكاذيب عن «التحرير» و«الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«الدولة الحديثة» و«العراق النموذجي». فالاحتلال استعمار جديد بوسائل حديثة، وما كان يحصل للأفارقة في مرحلة العبودية والاسترقاق لم يتغير كثيرا. الوسائل تغيرت بينما الأهداف لاتزال على حالها وعهدها السابق.

الصور رسالة واضحة وخصوصا لتلك الفئة المبهورة بالنموذج الغربي ونمط الحياة الأميركية... ولاتزال تراهن على تلك الأساطيل التي تحيط بالمنطقة العربية - الإسلامية كأسماك القرش.

بوش «المشمئز» وبلير «المنزعج» يستطيعان احتواء الفضيحة بالكلام المعسول والاعتذار المغشوش. وكلفة المسألة بسيطة وهي استدعاء الجنرال المشرف على سجن أبوغريب (وهو بالمناسبة سيدة وصديقة خاصة وشخصية لرأس العنصرية والشر في البنتاغون بول وولفوفيتز) وإقالته من منصبه مع معاش تقاعد تعويضا عن عمل إضافي. وبعد الاحتواء يعود الذئب إلى مواصلة عمله في حراسة المزيد من المرتزقة الذين يتدفقون إلى العراق بأجور عالية (وخيالية) من كل صوب للتنفيس عن احتقاناتهم العنصرية وكراهيتهم للعرب والمسلمين.

الصور المقرفة هي البداية. وبعدها هناك الكثير من المشاهد يمكن استعادتها من الذاكرة الطرية. من ينسى صور نهب بغداد وسرقة معاهدها العلمية ومتاحفها؟ ومن ينسى صور الاغتيالات والتفجيرات ضد مراكز الأمم المتحدة والحوزات والمساجد والمراقد وقتل القيادات الدينية برفقة عشرات المصلين؟ فهذه الصور لا تُنسى وهي أخطر بكثير من تلك التي تناقلتها شبكات التلفزة من سجن أبوغريب.

الآن بدأت تتكشف الحقائق وأخذت الأجوبة تظهر للرد على الكثير من الأسئلة المقلقة والمحيرة. فمن يفعل هذا في أبوغريب لماذا لا يفعل المرتزقة (محترفون عسكريون سابقون) الأمور نفسها ضد مساجد المسلمين ويتهمون جماعات إسلامية إرهابية بها؟

الحقائق ستظهر في النهاية ولو تأخرت، والسؤال الدائم: ماذا بعد؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً