على رغم الكثير من المطبات التي تعرضت لها صحافتنا في السنة الماضية ما بين الاحتفال والاحتفال - في الثالث من مايو/أيار من كل عام - بحرية الصحافة، فإنها استطاعت أن تتقدم بشكل ملموس في مناقشة قضايا كانت مسكوتا عنها بالقانون أو بالعرف أو بالاثنين معا، ولا يمكن إغفال الدور الذي مارسته الصحافة في تحريك الكثير من الملفات ودفعها إلى الواجهة، وتشكيل ضغط رأي عام بشأنها، وأي متتبع سيرى الفارق الجوهري ما بين صحافة ما قبل الإصلاح وما بعدها، وسيكتشف كم من القضايا التي طرحت، لا بفعل جِدَّتها، وإنما بفضل المناخ الذي أتيح لها، حتى صارت البحرين الثالثة عربيا من هذه الناحية بحسب تقارير دولية، وهذا أمر يحسب لها، وكذلك يحسب للمشروع الإصلاحي الذي أزاح عنها كما من القيود.
إلا أن المشروع الإصلاحي الذي أزال القيود، لا يعلِّم الصحافة كيفية المشي، ولا مبادئ الحرية، ولا يطعمها التمهن والحرفية في العمل، وإنما يفتح الباب أمامها فقط، ولتستهدي بالثوابت الوطنية، والقواعد المهنية، ومن هنا، فإن تدافعا عاقلا لابد أن تعيه صحافتنا المحلية، بأن تعمل على رفع المعوقات الذاتية وألا تكون مستلبة لأطراف المعادلة السياسية، لا للحكومة ولا للمعارضة وإلا فقدت دورها الرقابي. أن تقول للمخطئ: أخطأت، وللمحسن: أحسنت، بغير ما تمييز أو خجل. أن تشترك في رؤية متقاربة (وليست «متطابقة» في كل الأمور كشأن صحف الدول الشمولية)، في الشأن الوطني، حتى لا تغرد كل صحيفة وكأنها تنطلق من منابر خاصة أو حزبية، لا من منطلقات وطنية شاملة.
ستظل حرية الصحافة مطلبا ليس للعاملين في هذه المهنة وحسب، بل لتأمين تقويم واقعي لما يجري في المجتمع الذي يجب أن يتمتع بالعافية طالما وجدت فيه حرية تعبير مسئولة تقوده إلى كبح الأخطاء وتقويمها، وتشجيع الإنجازات وتقييمها
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ