يميل كثير من الناس إلى الاعتقاد بأن مناسبة «عيد العمال العالمي» هي تقليد شيوعي للاحتفال بالطبقة العاملة التي كان لها الدور الفاعل مع طبقة الفلاحين في تعزيز الاشتراكية ونقل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج إلى ملكية عامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن التاريخ الحقيقي لهذه المناسبة التي يحتفل بها مطلع مايو/أيار من كل عام هو العام 1875 حين أضرب العمال في شيكاغو بالولايات المتحدة، وامتدت تلك الاضرابات لتشمل عددا كبيرا من المدن الأميركية وتخطت البحار لتصل إلى أوروبا وتشل حركة الموانئ والقطارات وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، وكان مطلب العمال آنذاك هو تحسين مستواهم المعيشي عبر زيادة الأجور وتوفير الضمانات الصحية والاجتماعية، وقد تمخضت فكرة نقابات العمال في كل مكان لتصبح مرجعا ضمانيا لحقوق الطبقة العاملة. وهذا يعني أن هذه المناسبة التي يحتفل بها العمال في مناطق واسعة من العالم ولدت في بلد رأسمالي قبل أن تطرح الدول الشيوعية فكرة الأممية العالمية.
وبمرور الوقت صار هذا التقليد شأنا للناس الطبقيين يحتفلون به عندما كانت مفاهيم العدالة على سروج خيلها، وكان يتم تكريم العامل النشيط وزيادة أجور العمال وترقية بعضهم وتسمية قطاعات مهمة من معاملهم بأسمائهم إلى تلك الدرجة التي أصبح فيها «عيد العمال العالمي» عطلة رسمية في عشرات الدول تُلقى فيه الخطب وتقام الاحتفالات الشعبية وتنظم فيه المسيرات. هذه المسيرات باتت روتينا حكوميا في معظم الدول التي نهجت النهج الاشتراكي فكانت تنطلق جموع العمال من أمام المصانع حاملة اللافتات والشعارات العملاقة، وجميعها تصب في جملة «عاشت الطبقة العاملة»، لكن أي عيش كانت تعيشه ومازالت تعيشه تلك الطبقة؟ فقد كان اليأس يعلو وجوه حاملي اللافتات بلحاهم النابتة وثيابهم الزرقاء التي غاب لونها بفعل الغسيل الرخيص وأبدانهم المتعبة، وعيونهم الغائرة التي هدّها تعب الجري خلف لقمة العيش ليحققوا ما سعى إليه أسلافهم العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
لقد فقدت هذه المناسبة بريقها منذ سنوات، وغاب مفهومها ورمزها الاحتفالي في ظل غياب الفرص الجيدة لعيش آمن ومطمئن، وذهبت طي النسيان جميع المراسيم التي صدرت لصالح هذه الطبقة وصار رئيس العمل يحظى بالتكريم، وقائد قطاع الخدمات ينال الأوسمة، بينما ظلت الطبقة الكالحة الثياب تجري في المسيرات حاملة لافتاتها وهي تنشد «عاشت الطبقة العاملة».
هذه مناسبة أخرى تضاف إلى عشرات المناسبات التي قتلتها دورة الروتين وداست عليها الانتهازية، وإذا لم يعلن إلى الآن موت هذه المناسبة، فعلى الأقل أُجِّل دفنها ولعلها تنتظر رصاصة الرحمة من مغامر أو أفّاق يعطيها اسما آخر يكون «عيد البؤس العالمي» بدلا من عيد العمال العالمي، وليصبح شعارها بدلا من «يا عمال العالم اتحدوا» إلى «يا بؤساء العالم موتوا قهرا».
مع ذلك مازال الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين يطالب بالكثير من القضايا التي لاتزال بين الجذب والعطاء معلقة بين السماء والأرض، لا هي مرفوضة ولا هي مقبولة. فالتصريحات الرسمية عكس ما هو في الواقع فلذلك مازال الاتحاد يطالب الحكومة بأن يكون لها موقف واضح تجاه القضايا العمالية العالقة ومن أهمها عدم التكافؤ في العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة وقضية التمثيل في هيئتي التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد، وتشكيل لجنة ثلاثية لصوغ قانون العمل الجديد وغيرها من القضايا (على رغم ان التصريحات الأخيرة لوزارة العمل أعلنت توجهها لهذا التشكيل فإن التشكيل لم يقم بعد)، وعدم وجود آلية ملزمة لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية بشأن الأخذ بمرئيات ومقترحات الطرف العمالي في أية مسألة مشتركة.
ويركز الاتحاد على قضية الخصخصة بعدما اتجهت الحكومة في تنفيذ سياساتها بتخصيص مؤسسات القطاع العام وتحويلها إلى القطاع الخاص من دون وجود قوانين منظمة لعملية التحويل، وطالب بتعديل القوانين كافة التي تنظم عمليات التخصيص بحيث يكون للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين دورٌ في إجراءاتها كافة وأن يتم تشكيل مجلس أعلى للتخصيص بمشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة له صلاحيات اتخاذ القرار المناسب في هذا المجال، وان تلتزم الحكومة بقراراته.
ويحمل الاتحاد معاناة القضايا المتعلقة بسوق العمل من ضرورة وجود استراتيجية واضحة لتنظيم السوق وضمان بحرنة الكثير من قطاعات العمل والحد من العمالة السائبة وان يكون الحد الأدنى للأجور واضحا ومجزيا.
ويبقى الاتحاد النقابي يناضل من أجل إلغاء تعميم ديوان الخدمة المدنية الذي يحرم بموجبه قيام أية نقابة عمالية في القطاع الحكومي على رغم مخالفته الصريحة لمرسوم 33 بقانون النقابات العمالية والذي أثار جدلا كبيرا أدى بمجلس النواب إلى اقتراح تعديل القانون (الذي لا يحتاج إلى تعديل أساسا) لإثبات هذه الشرعية.
جملة من القضايا التي لو طرحت بأكملها جملة واحدة لسقطت كل مسميات العدالة العمالية ولبقي الوضع العمالي في البحرين يتراجع إلى الوراء شيئا فشيئا من دون توقف، إذ مازال مسلسل الفصل التعسفي مستمرا من دون توقف، ومن دون أي جرس إنذار يقرع لمواجهة هذا الحال.
يبقى لنا أن ننتظر احتفالية عيد العمال وتصريحات حكومية ووعود بعام عمالي جديد مليء بالمفاجآت، وبيانات عمالية تعد العمال بوضع عمالي أفضل ومطالبة مستمرة ومسيرة يخرج فيها العشرات للترفيه عن أنفسهم بعد طول عناء ويعود الحال في اليوم الثاني على ما هو عليه من دون أي تغيير سوى بروتوكول عمّالي سيعتاد عليه العمال بعد عامه الثاني
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ