العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ

التحول الجديد في العلاقات المغربية - الإسبانية

انعكاس كبير اسمه ثاباتيرو

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

عندما لم تُخْفِ الأوساط المقربة من القصر الملكي بهجتها برحيل خوسيه ماريا أثنار وفريقه «المعادي» عن الساحة الإسبانية، إنما كانت تعكس في الحقيقة واقع الحال عموما، وشعور الملك محمد السادس بشكل خاص، الذي، منذ تسلمه للعرش العلوي لم يرَ بادرة طيبة واحدة من قبل الحزب الشعبي اليميني وتياراته العنصرية المختلفة فحسب، بل كان عليه على الدوام البقاء على حذره الشديد واستيعاب الضربات السياسية والاقتصادية على الصعيد الأوروبي. كذلك، الالتفاف على الاستفزازات التي وصلت مع احتلال جزيرة توران ليلى منذ نحو من العامين، إلى حافة المواجهة العسكرية لولا التدخل السريع لواشنطن وباريس. هذا، ناهيك عن الدور السلبي المقلق الذي لعبته مدريد في هذه الفترة على مستوى تأجيج حدة نزاع الصحراء الغربية من خلال اللعب على التناقضات مع الجزائر.

اليوم، وفي لحظات انقلب الموقف بمعدل 180 درجة، عززته النوايا الصادقة التي لم يتأخر بالتعبير عنها رئيس السلطة الإسبانية الجديد، الاشتراكي خوسيه لويس رودريغز ثاباتيرو، الذي أعلن فور ناجحه بالانتخابات بأن أول زيارة خارجية له - حتى قبل انتقاله للعواصم الأوروبية الشريكة - ستكون للجار المغربي بهدف تصحيح الأمور وإعادتها إلى طبيعتها بعد أن خربتها ممارسات الذين استهوتهم نظرية القوة الإقليمية الرائدة، بهدف فرض الشروط الجغرا - استراتيجية والاقتصادية على السواء، وخصوصا في المرحلة الانتقالية التي كانت تمر بها المملكة المغربية بعد وفاة الملك الحسن الثاني.

على أية حال، ينبغي التذكير بأن ثاباتيرو كان منذ خلافته لفليبي غوانزليس يزور الرباط، تحديدا، خلال فترة التأزم بين البلدين، للطلب من الملك الشاب عدم إعطاء الذرائع لخصمه أثنار الذي يهدف من وراء التصعيد إرباك المغرب من جهة، ومن جهة أخرى، توظيف استعراضاته للقوة واستنهاض الشوفينية الإسبانية داخليا، مع اقتراب الانتخابات التشريعية. في هذا الإطار، تفيد مصادر مغربية مطلعة، بأن العاهل المغربي عمل ما أمكن بالنصائح التي أسديت له من قبل ثاباتيرو، التي تقاطعت مع رغبات صديق الوش التاريخي، ملك إسبانيا خوان كارلوس. هذا الأخير، الذي تدخل مرارا لايقاف أثنار عند حدود الخطوط الحمر وعدم تجاوزها. من ناحية أخرى، وبحسب المصادر عينها، تمنى زعيم المعارضة الإسبانية آنذاك على محاوريه المغاربة في الحكومة عبر أصدقائه في حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المشارك بكثافة في السلطة التنفيذية، اقناع القصر بضرورة مواجهة استفزازات أثنار بخطوات انفتاحية تجاه الشعب الإسباني، منها على سبيل المثال، إعادة النظر بالتشدد الذي حصل على صعيد ملف الصيد البحري، أو إفساح المجال أمام مشاركة للشركة الإسبانية العملاقة «ريسول» بالتنقيب عن النفط عند حدود المياه الإقليمية المتنازع عليها بالقرب من جزر الخالدات وسبثه ومليلة والشريط الممتد من طنجة إلى العرائش. رغبات لقيت إجمالا تجاوبا - وخصوصا بالنسبة إلى الشق الثاني - إذ تم التوقيع قبل نهاية العام الماضي، على اتفاق رسمي بهذا الشأن. أما بالنسبة إلى الشق الأول، فلقد وعد الملك بتحولات تدريجية في المستقبل. الأمر الذي لن يتأخر اليوم، بحسب رأي أحد كبار المسئولين المغاربة، لأن العقبة الرئيسية المتمثلة بأثنار قد زالت.

من اختبار القوة إلى النضج في التعاطي

طوت زيارة ثاباتيرو للمغرب والحفاوة الاستثنائية التي خصصت له صفحة العلاقات السيئة جدا التي أرسيت خلال ولايتي سلفه. استنتاج توافق عليه المحللون السياسيون الأوروبيون، في طليعتهم الإسبان فالمغاربة الذين رددوا أمام الفرنسيين بأن ثاباتيرو الذي تعهد وأوفى بعهده بالسرعة التي حصلت، لابد وأن يعود وفي حقائبه أوراق مغربية تدعم مواقعه الداخلية، وخصوصا أنه تعاطى بصدق وبشرف إزاء الجالية المغربية بعد تفجيرات مدريد، تماما كما فعل الملك خوان كارلوس، يؤكدون أن هذا الأمر حصل، حتى ولو لم يتم الإعلان عن ذلك. ناهيك من أن مجمل المشكلات العالقة التي بدأت خلال حكم أثنار بأنه ليس لها أي حل لا في المدى القريب ولا البعيد، ستناقش من الآن وصاعدا ضمن توجه مختلف جذريا. سواء أكان الأمر يتعلق بمكافحة شبكات الإرهاب، أو في البحث عن قواسم مشتركة لتأمين الاستقرار في منطقة غرب المتوسط أو مكافحة الهجرة السرية، أو تنسيق المواقف على مستوى العلاقات اليورو - متوسطية كما هو حاصل حاليا مع فرنسا جاك شيراك.

وتتوقع الأوساط المراقبة بأن اتفاق حسن الجوار، الموقع في العام 1992 مع الحزب الاشتراكي الإسباني نفسه، ستشهد إحياء في الأشهر المقبلة تعيد شهر العسل بين الرباط ومدريد إلى سابق عهده، تكلله خطوات من الجانبين تعزز نسيج المصالح المشتركة. إذ هنالك حرص متبادل بين الطرفين على تأجيل الملفات الشائكة لإعطاء الوقت الكافي للخبراء من الجانبين لتدوير الزوايا وإيجاد المخارج التي تأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين. وتفيد بعض المعلومات المستقاة من محيط رئيس الوزراء الإسباني بأنه هنالك إعادة نظر شاملة لأسلوب التعاطي السابق المتبع مع المغرب الذي يستبعد منذ البداية، التصرف الفوقي والمتشدد الذي لا يأخذ في الحساب المصالح الحيوية والعاجلة للبلد الجار. فالجهود ستنصب، كما ذكر هؤلاء المحيطون ثاباتيرو، من دون تأخير على جهود الشراكة وفق منطق الند للند والاحترام المتبادل الذي وضع لبنته فيليبي غونزاليس، على رغم الحساسية الموجودة لدى الملك الراحل، الحسن الثاني، لكل ما هو يسار واشتراكي في ذلك الحين. ومن المتوقع أن تعمد الحكومة الإسبانية إلى القيام بمبادرات ودية وإنسانية واقتصادية تواكب توجهات الملك محمد السادس الاجتماعية التي يضطلع بها بهدف تقليص الفوارق بين الأغنياء والفقراء، كي ينسى المغاربة وبسرعة، المواقف التي اتخذها أثنار للتذكير بالامبراطورية الإسبانية وتعاملها مع رعاياها من ضمنهم المغرب. ومن الخطوات التي بادر بها ثاباتيرو للتأكيد على التحولات في جميع المجالات، إعفاء السفير الإسباني الذي كان مسئولا عن أزمة جزيرة ثورا - ليلى. ما لقي استحسانا فوق العادة لدى المغاربة.

وفي إطار التعاطي الناضج الذي بدأ يشق طريقه الذي سيتكرس عمليا وفق خطة العمل التي سيتم الاتفاق عليها خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء المغربي، إدريس جطو، لمدريد أكدت بعض المراجع المسئولة الإسبانية، أن التنسيق في ميدان السياسية الخارجية سيما لناحية التعاطي مع أوروبا، الشريكة للمغرب، سيبلغ ذروته. هذا ما لمّح إليه وزير الخارجية الجديد، ميغال موراتينوس، الذي اعتبر بأن الدفاع عن مصالح الرباط داخل الاتحاد الأوروبي سيكون من الآن وصاعدا من مهمات إسبانيا، ذلك لأن مساعدة دول جنوب المتوسط على الانفتاح السياسي والاقتصادي يجب أن يكون في صلب التوجهات الأروبية المقبلة، وخصوصا بعد التوسعة ودخول عشرة بلدان من شرق ووسط أوروبا للمجموعة. ويضيف موراتينوس، في احدى جلساته الخاصة، يجب أن نشعر الجيران المغاربة بأن إسبانيا ستقف إلى جانبهم وستخفف من الانعكاسات التي قد تكون سلبية مع انضمام الجدد.

وتدل المؤشرات الظاهرة الآن على أن مدريد ستكون أول المدافعين على تطوير العلاقات مع دول المغرب العربي، في طليعتها المملكة المغربية التي تتمتع بعلاقات متميزة. كما ومن المتوقع، أن تلعب إسبانيا دورا في تقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب على صعيد نزاع الصحراء الغربية، خلافا لما كانت تقوم به حكومة أثنار باللعب على التناقضات وإثارة الحساسيات إلى حد وقوع الحكم الجزائري في الخطأ الكبير عندما برر بعضه احتلال جزيرة ليلى ثم حاول التراجع عنه.

يبقى موضوع رفع مستوى العلاقات الاقتصادية، سيما الاستثمارات التي يعلق المغرب عليها في هذه المرحلة أهمية خاصة. فبعد الزيارة التي قام بها ثاباتيرو للرباط في 24 ابريل/ نيسان الماضي، لابد وأن تشهد هذه العلاقات الاقتصادية قفزة نوعية، لأن العوائق التي كانت موجودة وموضوعة من كلا الطرفين قد زالت. فالشركات والمستثمرون الاسبان الذين كانوا يعولون على دخول السوق المغربية وانتزاع المشروعات، تحديدا في ميدان البنيات التحتية لم يعودوا يواجهون ضغوطا داخلية من حكومتهم ولا عصي توضع في الدواليب من قبل الإدارات المغربية المختلفة. فمن الآن وصاعدا ستحظى الشركات الإسبانية بعناية خاصة عندما تنزل في المناقصات أو تتقدم بمشروعات مختلفة أو تشارك في برنامج التخصيص. فحقيقة القول، إنه على رغم المواقف السلبية لأثنار وحكومته، بقي المغرب مراعيا للوبي الإسباني الاقتصادي والتجاري الموجود في المغرب، محاولا قدر الإمكان الفصل بينه وبين العلاقات السياسية المتأزمة.

فعودة إسبانيا بقوة للساحة المغربية تراقبها اليوم عن كثب فرنسا التي استفادت كثيرا من التباعد الذي حصل في السنوات الأخيرة، لتحسين مواقعها وأوضاع شركاتها. فالوجود الإسباني بالمغرب، يبقى في نهاية الأمر، أقل كلفة من الناحيتين، السياسية والاقتصادية، فالمغاربة بطبيعتهم أقرب للإسبان في جوانب كثيرة. ما سيساعد حتما، نظرا لوجود حكومة صديقة ومنفتحة على السير قدما في العلاقات الثنائية على رغم بقاء عدد من الملفات الشائكة معلقة مثل قضية سبتة ومليلة أو الصحراء الغربية. فالنضج السياسي الموجود والثقة المتبادلة من شأنهما أن يخففا من وطأة التباينات في هذا الشأن

العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً