العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ

القوة لا تصنع الحرية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاستطلاع الأخير لمعهد «غالوب» أشار إلى أن 57 في المئة من العراقيين يحبذون انسحاب القوات الأميركية.

هذا لا يعني أن 57 في المئة من الشعب العراقي مع نظام صدام السابق ويحبذون عودة سلطة البعث. كذلك لا يعني الأمر أن العراقيين ضد الديمقراطية والدولة الحديثة والحرية والمعاصرة والمجتمع المدني وغيرها من مفردات جلبتها قوات الاحتلال معها لشراء ولاء بلاد الرافدين.

قراءة المسألة يجب أن تتم من موقع آخر. فالشعب العراقي في غالبيته يريد الحرية ولكنه أيضا يطالب بالاستقلال والسيادة الكاملة.

هذا جانب. والجانب الآخر يكشف عن فشل تجربة الاحتلال في تحقيق الاستقرار والأمن والحياة الكريمة. حتى الآن لاتزال المياه شبه مقطوعة عن المنازل. وحتى الآن لاتزال الكهرباء معطلة أو تأتي احيانا يشكل متقطع. وحتى الآن لاتزال المعاهد والجامعات شبه مقفلة.

إلى ذلك هناك عشرات المتطلبات الحياتية العادية غير متوافرة من ضمانات صحية وعمل. فالمؤسسات مقفلة والمصانع متوقفة وطوابير العاطلين عن العمل تتزايد.

تضاف إلى كل هذه الأمور المتعلقة بحياة الإنسان ومعيشته جملة مشكلات لها صلة بكرامة المواطن وحقه في التنقل وحريته في التعبير عن رأيه وبكل ما حصل من حرب واحتلال وغيرها من مسائل تمس أمنه الشخصي ومعتقداته.

المواطن العراقي العادي لم يلمس بعد هذا الفارق الكبير بين مرحلتين. في فترة صدام كانت الصحافة ممنوعة وتقتصر على نشرات الحزب الحاكم. الآن هناك أكثر من 157 مطبوعة يومية وأسبوعية وشهرية ولكنها كلها تصدر في الإطار نفسه وممنوع عليها نقد الاحتلال أو المطالبة بمقاومته. فالصحف كثيرة ولكنها من لون واحد. ومن يخالف الألوان الأميركية يصنف في خانة الارهاب ودعم التطرف وغيرها من اتهامات سمعها المواطن العراقي كثيرا في العهد السابق ودفع ثمنها من حياته ومعاشه.

التعامل مع المعارضة لا يختلف بين العهدين. في السابق كان صدام يعاقب مدينة بكاملها في حال تعرض نظامه لنقد أو مقاومة من طرفٍ من أهلها. والآن الاحتلال يعاقب المدن بتهمة معارضة القوات الأميركية أو مقاومتها. فالاحتلال اقفل الكثير من الصحف والمجلات ومحطات التلفزة بتهمة رفض «التحرير» أو «التشجيع» على المقاومة. والاحتلال اعاد فتح سجون صدام وهناك الآلاف يعانون من الظلم والتعذيب من دون محاكمات أو اجراءات قضائية. وقبل يومين فقط احالت قوات الاحتلال سبعة ضباط من الجيش الأميركي بتهمة التعذيب واساءة معاملة المعتقلين.

غالبية الشعب العراقي تعارض الاحتلال. هذا ما أشار إليه استطلاع «معهد غالوب» في الأسبوع الماضي. والغالبية المذكورة ليست «صدّامية» ولا تؤيد بيانات «الزرقاوي» وليست مع الفوضى والاضطراب واضطهاد الإنسان. هذه الغالبية تريد الحرية الحقيقية والسيادة الكاملة وحق الشعب في تقرير مصيره وبناء دولته ضمن أطر دستورية يضعها أو يتوافق عليها أبناء البلد.

المشكلة أن إدارة الاحتلال التي يقودها بول بريمر من خلف ستار «مجلس الحكم الانتقالي» لا تدرك هذه المشاعر وتفسرها بأساليب «بلطجية» تعوّد الشعب العراقي على سماعها طوال ثلاثة عقود من عمر النظام السابق. فإداراة الاحتلال تصر على أن قراراتها صائبة وأن الاعتراض على «التحرير» مصدره مجموعات ارهابية وتنظيمات مستوردة لا صلة لها بالناس وأهل البلد. وإدارة الاحتلال التي تتخبط في قراراتها وتعيد النظر فيها لا تعترف بأن هذا النوع من التخبط جلب الدمار والخراب للبلد ودفع الناس دفعا إلى محاربة الاحتلال بشتى الطرق ولكل بحسب قدرته وامكاناته.

إدارة الاحتلال التي وعدت الشعب العراقي بالكثير اعطته القليل. والقليل الذي أخذه توزعته العناصر المستفيدة من الاحتلال من خلال استخدام علاقات القرابة والنفوذ والوساطة. وهذا ليس جديدا على الشعب العراقي. فالجديد هو اختلاف أسماء العائلات والمناطق ولكن جوهر المسألة أن الفساد لم يحاصر بل استشرى في الكثير من المناطق من دون نتيجة ملموسة تدل على وجود مؤشرات نهوض دولة مختلفة.

قبل يومين استقالت موظفة كبيرة في وزارة الخارجية الأميركية بسبب فشلها في مهمة تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم. فصورة واشنطن خلال السنوات الأخيرة تشوشت وتراجعت في عيون الكثير من المحبين لنمط الحياة الأميركية. هذا على المستوى الدولي العام، اما على المستوى العراقي والعربي والإسلامي الخاص فإن الصورة الأميركية أكثر قتامة ولا يكفي «بخور الهند» لتغطية روائحها.

صورة أميركا سيئة وهي إلى المزيد من التدهور والانهيار ليس في العالم العربي وانما في العالم. وهذه بداية جيدة لتأكيد أن القوة لا تصنع الحرية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً