ما يقوله المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري ليست أقوالا مجردة من الواقع بحكم قربه من جلالة الملك والتصاقه بمشروع الإصلاح السياسي. ولذلك فإن ما قاله يوم الخميس الماضي أثناء الحوار الثقافي عن الديمقراطية والتنمية الذي نظمه «ملتقى البحرين - أصيلة» في مركز المعارض يعتبر مهما جدا، وهو حديث له أبعاد سياسية مباشرة.
لقد كان الأنصاري صريحا في نقاط عدة، فمن جانب قال إن المشروع الإصلاحي لا يمكن ان يتطور مع «معارضة مطلقة»، تعارض من أجل المعارضة، وهي التي أطلق عليها «راديكالية رافضة». والأكثر من ذلك فقد أشار الى ان هناك خطرا أشد من الراديكالية الرافضة، وهي «النفعية الراكعة»، فهؤلاء هم الذين يعلنون الولاء الأعمى للنظام، واعتبرهم مثل «الجرثومة» التي تدمر الجسد من الداخل. لأن هؤلاء يربطون المصالح العامة بمصالحهم الخاصة ويحولون الخير العام إلى خير خاص بهم.
الأنصاري توجه الى المعارضين الذين مازالوا متذبذبين بين «الراديكالية الرافضة» وبين «المعارضة الدستورية من الداخل»، وقال ان هؤلاء يخدعون جماهيرهم لأنهم مازالوا لا يعترفون بشرعية النظام بصورة واضحة، وفي الوقت ذاته يتصدرون حركة سياسية تختلط فيها الاهداف بسبب عدم وضوح موقفهم بصورة حاسمة.
في هذا الاطار يمكن القول ان هناك خطا رفيعا يفصل بين الحركة المطلبية والحركة الثورية، وما لم تلتفت المعارضة (أية معارضة كانت) لهذا الفرق فإنها تبدد جهودها. لقد كان هذا الفصل واضحا جدا في انتفاضة التسعينات، إذ أصر جميع المتصدرين للساحة على اعتماد نهج الحركة «المطلبية»، بمعنى رفع مطالب مشروعة ضمن النظام القائم. وهذا الطرح هو الذي تسمح به الديمقراطيات على أية حال. ففي بريطانيا يمكنك ان تعارض الحكومة وتعمل من داخل النظام الملكي. ولكن لو كنت تعارض النظام الملكي فإنك لن تستطيع العمل من داخل النظام. ولو دخلت البرلمان وانت لا تؤمن بالنظام فإن عملك محاصر، لأن التعرض للملكة داخل البرلمان ممنوع على رغم انه مسموح نوعا ما في الصحافة وضمن حدود.
المسلمون في بريطانيا حسموا أمرهم في التسعينات وقرروا تأسيس «المجلس الإسلامي البريطاني MCB» الذي يعترف بالنظام الملكي البريطاني. ومنذ ذلك الحين أصبح دورهم كبيرا في الشأن البريطاني العام، بل ان الحكومة البريطانية تستشيرهم في أمور عدة تهم المسلمين قبل الشروع فيها. وفي آخر عام كنت في بريطانيا (2001) كان المجلس يحاول التأثير على السياسة الخارجية أيضا بعد ان حقق نجاحات على مستوى السياسة الداخلية البريطانية غير ان حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أثرت كثيرا في ذلك، ولكن بقي المجلس مؤثرا على المستوى البريطاني الداخلي. المجلس الإسلامي البريطاني عرف مفهوم العمل السياسي المطلبي، ويرفع حاليا «رمزية بريطانية» في اعلامياته وبرامجه ويتحدث كـ «مؤسسة بريطانية»، ولذلك حقق نجاحات تحسب له.
الأمر ذاته ينطبق على المعارضة البحرينية التي كانت تتجه في الاتجاه الصحيح في التسعينات، ولكن بعد الانفتاح السياسي ساد التذبذب في عدد من اوساطها. بل ان الرمزية البحرينية (صور واعلام ونشريات... الخ) تكاد تختفي من البرامج الجماهيرية والنشاطات الدينية المحسوبة على المعارضة. وهذا يؤكد ما قاله الأنصاري من ان المعارضة التي لم تحسم رأيها بوضوح ولم تعلن انها تؤمن بشرعية النظام السياسي، لا تستطيع ان تعمل من داخله ولا تستطيع ان تحقق مطالبها. طبعا هذا ينطبق على من يصفون أنفسهم بالحركة المطلبية... أما اذا كانت الحركة «ثورية»، فإن الموازين تختلف ويصبح لا حرج في كثير مما يقوم به البعض، بما في ذلك استخدام الشتائم ووسائل التهييج في اية فرصة ممكنة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ