العدد 2766 - الجمعة 02 أبريل 2010م الموافق 17 ربيع الثاني 1431هـ

مستقبل العلاقات الأوروبية – «الإسرائيلية» (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كل هذا يعني أن هناك تحولا غير منطقي في العلاقات الأوروبية - «الإسرائيلية، يتنافى مع توجه الدبلوماسية الأوروبية التي تحاول أن تخرج من موقفها التقليدي المنحاز لإسرائيل إلى آخر يسعى إلى التوازن، وتحاشي الكيل بمكيالين، استجابة للظروف التي استجدت على طبيعة العناصر التي تشكل منها ذلك الصراع، وفي المقدمة منها قيام السلطة الفلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة أولا، وطغيان الأساليب العدوانية الفاضحة على سلوك المؤسسة الصهيونية في تعاملها مع ذلك الصراع، وامتدادها إلى مناطق أخرى خارج دائرته الطبيعية المتعارف عليها دوليا، كما شاهدنا ذلك مؤخرا في العملية التي نفذها «الموساد» في دبي.

لكنه، وبغض النظر عن ذلك، وعند تناول مستقبل العلاقات الأوروبية – «الإسرائيلية، فلابد من الإشارة إلى ثلاثة عوامل أساسية، غير تلك المستجدات التي تحدثنا عنها، وتتعلق بأوضاع الطرف العربي، وفي القلب منها الموقف الفلسطيني، الذي يملك بالطبع تأثيرات مباشرة وغير مباشرة في تحديد معالم سير وآفاق مستقبل تلك العلاقة:

أول تلك العوامل هو فشل الدبلوماسية العربية، ومن بينها الفلسطينية بطبيعة الحال، في الاستفادة من «أخطاء» أو «عربدة» السياسة «الإسرائيلية، لتجييرها لصالح الطرف الفلسطيني. يمكننا الإشارة هنا إلى حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتناقض المواقف العربية من المحكمة الدولية، ذات العلاقة المباشرة بالكتلة الأوروبية، مما كان له تأثير إيجابي على مسار العلاقة الإسرائيلية الأوروبية، ثم جاءت حرب يوليو/ تموز بين حزب الله والقوات الإسرائيلية وما أحدثته من شرخ عمودي في العلاقات العربية – العربية، وانعكاس ذلك لصالح إسرائيل في تحديد الموقف الأوروبي منها. أما بالنسبة للطرف الفلسطيني، يكفي للدلالة على صدق ما نذهب إليه، استحضار ما حصل أخيرا في حادثة اغتيال محمود المبحوح، وبدلا من تسخير كل إمكانات الدبلوماسية العربية لتسليط المزيد من الأضواء على عدوانية السياسة «الإسرائيلية» التي لديها الاستعداد للضرب بعرض الحائط بكل القوانين الدولية من أجل تحقيق أهدافها، وجدنا الصراع الداخلي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس يطفو على السطح، ويأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الإعلام العربي والأوروبي، الأمر الذي أفقد الهجوم الإعلامي العربي نسبة عالية من قوته، فوجدناه يرتبك أمام تماسك منطق رواية آلة الإعلام الإسرائيلي.

ثاني تلك العوامل، هو ضعف بناء الجسم الفلسطيني، يكفي استرجاع العلاقات الداخلية الفلسطينية خلال الفترة التي تلت تأسيس السلطة لإثبات مظاهر ذلك الضعف، وليس ما تلى ذلك من إتهامات بين السلطة وحركة حماس سوى إحدى علاماتها. بل يمتد ذلك الخلاف، غير المبرر، داخل صفوف كل تنظيم فلسطيني على حدة، وتكفي الإشارة هنا إلى التراشق بالاتهامات بين مختلف الأطراف «الفتحاوية» الذي سبق مؤتمر «فتح» الأخير، للدلالة على عمق التفكك الفلسطيني الداخلي، الذي نتحدث عنه، والذي يستهلك الجهد الفلسطيني، ويحول دون قدراته على تحويل موازين الصراع لصالحه، حتى عندما تسنح الفرص الملائمة لذلك، كما حصل خلال الحرب التي شنتها «إسرائيل» على غزة.

ثالث تلك العوامل يتعلق بالموقف العربي، وإذا ما تجاوزنا الموقف العربي الرسمي، وتوجهنا إلى داخل الكتلة الجغرافية الأوروبية، سنجدها هي الآخر لم تنجح في أن توصل للاتحاد الأوروبي منهجا متكاملا يساعد أوروبا على تحديد سياسة خارجية ثابتة ومتماسكة من الصراع العربي الإسرائيلي. لا يمكننا هنا عند المقارنة بين الثقل الذي ما تزال تتمتع به الجاليات اليهودية في المدن الأوروبية، معها نظيرتها من الجاليات العربية، إلا أن نصاب بالإحباط الشائب بالكثير من التعجب! بينما نجد الأولى تحاول أن تتحول، ولو شكليا إلى جزء من النسيج الطبيعي للجسم الثقافي، ومن ثم السياسي الأوروبي، دون أن تفقد هويتها الثقافية اليهودية، أو ولائها السياسي لإسرائيل، نرى الجالية العربية لا تكف عن مناكفة المؤسسات الثقافية الأوروبية، وإبراز الخلاف مع تلك السياسية. يمكننا هنا العودة إلى ذلك الخلاف بين ليبيا وسويسرا وانعكاساته السلبية على العلاقات العربية الأوروبية، واستحضار الصراع من مسألة «الحجاب»، الذي تآكلت من جرائه نسبة عالية من مساحة التفاعل الإيجابي المفترض بين الثقافتين العربية / الإسلامية والأوروبية. وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى الجبهة الاقتصادية، فبدلا من أن تتحول حاجة أوروبا لمصادر الطاقة العربية من نفط وغاز إلى عنصر إيجابي يمارس دوره في تطوير تلك العلاقة، وجدناه، على العكس تماما من ذلك، فيصبح عاملا من عوامل الخلاف، الذي يصب في نهاية المطاف، شاء العرب أم أبوا، لصالح الكيان الصهيوني.

إن مستقبل العلاقة الأوروبية – الإسرائيلية، رهن إلى حد بعيد بقدرة العرب، وعلى وجه التحديد، الفلسطينيين بينهم، على الخروج من دوامة النزاعات الثانوية الداخلية أولا، وتجاوز، تماما كما تتصرف المؤسسة الصهيونية، بؤر التعارضات الثانوية التي قد تطفو على السطح بينهم وبين الاتحاد الأوروبي ثانيا، وتحويل إمكاناتهم الاقتصادية والمالية لبناء جسور علاقات إستراتيجية راسخة قائمة على حماية المصالح المشتركة بين الطرفين ثالثا، إن هم أرادوا من الأوروبيين، أن يعيدوا النظر، بشكل إستراتيجي، في موقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي، والذي سينعكس بشكل مباشر على مستقبل العلاقة الأوروبية الإسرائيلية.

إن محاربة الوثيقة الإسبانية وهزيمتها في عقر دارها لا يمكن أن يتحقق في ظل موازين الصراع القائمة، التي لا يمكن أن تتحول، وبالمستوى الذي يدفع الأوروبيين للتراجع عنها، أو حتى إعادة النظر فيها، ما لم يخرج العرب من هذا الثوب الذي طرزته العوامل الثلاثة التي أشرنا لها، وحرصت السياسة الإسرائيلية في رسم الصورة العربية في أعين الغرب، وهم مصرون على ارتدائه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2766 - الجمعة 02 أبريل 2010م الموافق 17 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:09 م

      ولنبدأ بحفظ هويتنا العربية الإسلامية بالذود عن اللغة العربية

      نشكر للأستاذ عبيدلي على تألقه الدائم لما فيه خير ومصلحة الأمة العربية الإسلامية ،،، الواقع بأن قناع العولمة المزيفة قد آزر أنصاف المتعلمين إن المتسلقين على أكتاف المثقفين وكبار العلماء قد وضعوا أولويات اللغة الأجنبية فوق كل إعتبار على إعتبار مواكبة وللحاق بركب العولمة وكان نصيب المتبرىء من القومية العربية في الحصول على مناصب أفضل وإن ما تم ممارسته من قبل حديثي النعمة بالوظيفة ضد كبار المثقفين أشد تصهينا مع تحيات (ندى أحمد)

اقرأ ايضاً