الطبيعة الإنسانية غالبا ما تدفعنا لإظهار أفضل ما عندنا والظهور بأحسن صورة، ربما بهدف اكتساب احترام الآخرين، وربما للفت أنظارهم وانتزاع نظرات الإعجاب وتعبيرات الإطراء، وربما لأن المظهر الخارجي بمثابة بطاقة تعارف تقول الكثير عن صاحبها، وهو ما يعتقد الكثيرون أنه السبب الرئيسي وراء تطور عالم الموضة والأزياء لإبراز الأفضل دائما.
ولأن هذه الطبيعة البشرية لا تكتفي ولا تتوقف؛ فإن عالم الموضة والأزياء في تطور مستمر على مر العصور لإرضاء الذوق الإنساني الذي حتما يصعب إرضاؤه والفوز باهتمامه الدائم بهذه الصناعة، مهما تغيرت بتغير الفصول، وتلونت بألوان الطبيعة، وتعددت بتعدد مصادرها.
وفي كثير من الأحيان تتأثر تصاميم الأزياء وعجلة الصناعة التي تضخها المجموعات السنوية التي يطرحها المصممون في جميع أنحاء العالم، بالمستجدات الاجتماعية والأحداث الثقافية التي قد تكون مصدر وحي وإلهام لصيحات خلابة تطرق أبواب النجاح والشهرة وتخطب ود الجميلات.
ولكن تظل الطبيعة ككل المفضلة دائما، فهي عنصر الارتكاز لمقاربة الألوان ودرجاتها وطبعات تتشابه إلى حد بعيد بجلود الحيوانات ونقوشها، بنقاء خطوطها وغناها، واقعية وحيوية العيش بقربها، فالقرب من الطبيعة يتحوّل إلى درس قيّم في التكيف، يتجسد في الأقمشة والخطوط الأنيقة في مجموعة الخياطة الراقية ومجموعة الأزياء غير الرسمية الأنيقة.
أما الأشكال التي حاولت امتصاص رحيق هذه الألوان، فكانت أيضا مماثلة في خصوصيتها وشكلها المفتوح على فرح الأشياء وفرح اللحظات الكبيرة، ولم يكن للجسد الأنثوي، في حضرة هذه الأزياء، إلا الذهاب مع الرحيق والعطر إلى مناخ الأناقة الباهرة. ولم تعد عروض الأزياء اليوم عبارة عن مجموعة من الفساتين التي يقدّمها المصمّم إرضاء لأذواق النساء، وإنّما صار العرض مستمدّا من موضوع يختاره المصمّم ليدهش به النقّاد والجمهور. وغالبا ما تضيء هذه المواضيع حقبة قديمة من التاريخ أو شخصيّة نسائيّة شهيرة، طبعت عصرها بأزياء ملفتة، فيستعيدها المصمّم في عروضه ويعدّل فيها كي تلائم العصر الحالي... وهذا ما فعله أيضا العلي المصمّم الشاب.
رامي العلي اختار موضوع “كارمن” تلك الغجريّة الإسبانيّة التي كتب روايتها الشهيرة الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه في العام 1835، ثمّ تحوّلت القصّة في بداية القرن الفائت إلى فيلم سينمائي وعمل مسرحي غنائي راقص أيضا. واشتملت تشكيلة عرض “كارمن” لربيع وصيف 2010 على فساتين سهرة وثوب زفاف واحد، أذهلت الجمهور. وبرز الإسراف في الأقمشة الحيوية بألوانها وتطريزاتها، وكأنّها تجمع الطبيعة في تفرّد لا يُضاهى. وشكّل العرض لوحات تشكيليّة غنيّة بالأشكال والألوان والاكسسوارات، ومنجزة بفنّ ودقّة وإحساس مرهف.
من أحضان الطبيعة وألوانها، استوحت المصممة الكويتية أديبة المحبوب مجموعتها الجديدة لفساتين الزفاف المزدانة بالأزهار والورود، لتحول أحلام الفتيات بليلة العمر المميزة إلى حقيقة، أزياؤها مصنوعة من أفخم الخامات والأقمشة والمزينة بأحجار كريستالية وتطريزات مميزة تزيد من رقي التصاميم ورومانسيتها، كما أنها ابتعدت عن الموديلات الكلاسيكية والتقليدية لرغبتها في إحداث نقلة نوعية في عالم الموضة والأزياء، التي تجمع بين الروح الشرقية والغربية.
استوحى المصمم ساهر ضيا مجموعته الجديدة لموسم ربيع صيف 2010، من فراشات الربيع، حيث تتشابه التصاميم بالزهور الربيعية، تنتقل فيها الفراشات النادرة من زهرة بنفسجية، إلى أخرى زهرية ، ثم إلى تصميم ناري بلون أحمر، ذلك الذي يترك انطباعا أنيقا ببساطته ولغته الحميمة.
هكذا، تتجه الفراشات مرة أخرى إلى الحديقة الأم، حيث يترك الأسود سيد الألوان انطباعاته الأرستقراطية على تصاميم تتألق حينا بطيات القماش الناعم، وحينا آخر بطيات مشغولة بعناية بأحجار شك وتطريز من اللون والنمط نفسه... واعتمد ساهر ضيا الألوان المتدرجة في بعض الفساتين، تلك التي تبدو لوحات تشكيلية مستوحاة من الربيع وحيوية زهوره وألوان الفراشات النادرة.
الأقمشة، بدورها، تركت انطباعا بسيطا ومفعما بالأنوثة على المجموعة، إذ استخدم ساهر ضيا أقمشة الحرير والتافتا والساتان التي تشع حيوية أنثوية طاغية. وتنوعت بالقصات المريحة بين التصاميم الطويلة والفساتين العملية والقصيرة التي تتناسب مع حفلات الكوكتيل، فيما ترك مساحة حرة على الصدر والبطن، تنسدل كقصيدة شعرية إلى الأسفل، أو تجسد الفستان كتلة واحدة.
العدد 2766 - الجمعة 02 أبريل 2010م الموافق 17 ربيع الثاني 1431هـ