قطعا، لا ينطبق المثل الشعبي الدارج «السلف تلف» على موقف نواب من «السلف» تجاه ملف التعديات على أملاك الدولة، فهؤلاء كانوا بنيانا مرصوصا في الثبات على الحق وعدم التفريط فيه، رغم كل الجَزَرِ الذي قدم لهم، والعِصِيّ التي لُوّح بها أمامهم.

الراصد لحراك الكتل إزاء الملف المذكور، كان ينتظر نقطة النكوص في مواقف بعض النواب والكتل إزاء ملفٍ حساس كالتعديات والتجاوزات على أراضي وعقارات الدولة، وهي نقطة تعّود عليها المواطن البحريني في البرلمان وخارج البرلمان من أغلب السياسيين الذين يرفعون الصوت عاليا مطلع الأزمات، لكنهم في نهايتها يتوارون عن الأنظار.

إذا ما أبعدنا الوفاق قليلا عن هذا الرصد كون نوابها عرّابي هذا الملف، فإن بعض الكتل الأخرى أعطت إشاراتٍ على النكوص المرتقب، غير أن نوابا، خاصة في «الأصالة» كانت مواقفهم ثابتة وتزداد يقينا كلما مضى الوقت وانصرم، وفي مقدمتهما النائبان الشيخان عبدالحليم مراد، وإبراهيم بوصندل.

الحديث عن مواقف الشيخين يدفعك للحديث دفعا عن التيار السلفي في البحرين، الذي بدأ ينمو في السبعينيات من القرن الماضي متخذا العمل الخيري طريقه للوصول إلى الناس، فيما بدأ التيار السياسي منه مطلع القرن الحالي عند تدشين المؤسسة التشريعية والتكتلات السياسية.

قد يسم البعض المواقف التي اتخذها النائبان في ملف أملاك الدولة، بأنها مواقف «سلفية إصلاحية»، غير أن المتوغل في ايدلوجيا التيار السلفي في البحرين يدرك تماما أن ما قام به الشيخان هو من صميم مبادئ ومعتقدات هذا التيار الذي، وإن كان لا يرى جواز الخروج على الحاكم، إلا أنه يغلظ له في النصح والمكاشفة.

دخول السلف المعترك السياسي والبرلماني منه خصوصا في البحرين، لم يكن معبّدا بالورود كما يظن الكثيرون، بل كان طريقا مزروعا بالفتاوى التي تخرج المشتغلين برلمانيا من الملة، وبالإضافة إلى سيولٍ من الاتهامات بالتواطؤ مع جهات هنا أو هناك بعد كل موقف أو قرار يصدره النواب السلف.

التيار السلفي في البحرين، برهن عبر مواقف عدد من نوابه في هذا الملف أنه وطني الهوى، بحريني المذهب، وانه مستعد للوقوف مع الحق، وإن استوحش الطريق، أو سلكه معهم من يختلفون معه فكريا أو مذهبيا.

مقياس «ريختر»، لا يرصد زلزالا بدرجته التاسعة الشديدة إلا مرة ربما كل 20 عاما، ولم يصل للآن إلى رصد أي هزة في الدرجة العاشرة، لكننا نعتقد هذا المقياس لو اختبر على تقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة، لرصد زلزالا وطنيا بحرينيا يفوق هذه الدرجة، ليس فقط بسبب حجم التعديات التي وقعت على أراضي ومقدرات البحرين، وسلب 65 كيلومترا مربعا منها، مما لا يزيد مجموعه 745 كيلومترا مربعا هي مساحة البحرين بكلٍ جزرها، بل لأننا وجدنا اليوم كيف وحّد هذا الملف أقصى اليمين وأدنى اليسار، ووجدنا كيف وقفت لحى الأصالة، مع عمائم الوفاق، في أوضح صورة للتوافق الوطني منذ العام 2002، وما حدث ذلك إلا لأن الطرفين اجتمعا على هدف سامٍ واحد وهو نصرة المواطن في الحد والسنابس والمحرق، والذي لا يحلم بشيء في سنوات عمره كلها، كما يحلم بقطعة أرضٍ صغيرة يلململ بها عائلته، وما بقي من مستقبله ومستقبل أطفاله.

قد لا يقف السلف مع ملفاتٍ وطنية أخرى كالتعديلات الدستورية، وتعديل الدوائر الانتخابية، ليس لأنهم ليسوا وطنيين، بل لاعتباراتٍ أخرى قد لا نوافقهم فيها، لكنهم أثبتوا أنهم مستعدون أن يقفوا مع المواطن أينما كان إذا كان الأمر متعلقا بمعيشته وحياته، وعلى الآخرين أن يستوعبوا هذا الأمر في حراكهم الوطني والسياسي.

أخيرا، يبدو أن النائبين مراد وبوصندل يريدان أن يختما مشاركتهما النيابية الأولى بخير، ولسنا نعلم فعلا إذا ما كانت كتلة الأصالة ستجدد لهما ترشحهما في الانتخابات المقبلة، وكيف ستجازيهما على مواقفهما الدينية أولا والوطنية ثانيا، لكن ما أعلمه يقينا اليوم أن المثل الدارج «السلف تلف».. ليس صحيحا دائما!